
محمد المكي احمد:
لقاء رئيس الحكومة السودانية (حكومة الثورة الشعبية) الدكتور عبد الله حمدوك وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الأيام ،يكتسب أهمية حيوية وإضافية ،لأنه يشكل أول لقاء من نوعه بعدما اطاح الشعب السوداني الرئيس المخلوع عمر البشير في ١١ أبريل ٢٠١٩.
أهمية اللقاء مستمدة في رأيي من حرصنا في السودان الجديد على سياسة خارجية متوازنة ،وخصوصا مع إخوتنا في الخليج،حيث تشهد تلك المنطقة حاليا صراعا حادا ومؤسفا بين أشقاء ، تربطنا بهم علاقات تاريخية،ويجب أن يحافظ السودان على علاقات خارجية مستقلة ،بعيدا عن نهج المحاور الذي كان يمارسه النظام البائد،الذي ضرب الكرامة السودانية بسياسات التبعية والأكل من كل الموائد الخليجية ،باستغلال الخلافات بين بعض دولها.
في هذا الإطار أرى (كما كتبت في مقالات عدة قبل وبعد مغادرتي قطر الى لندن قبل سنوات ) أن علاقة السودان مع دول الخليج الست تاريخية وتدعمها مصالح مشتركة، وأن أمن السودان من أمن الخليج والعكس صحيح.
أي ان السودان الجديد يجب أن يدعم علاقات متوازنة مع السعودية وقطر والإمارات والكويت وسلطنة عمان والبحرين،انطلاقامن مرتكزات تحددت في (اعلان الحرية والتغيير )الذي يشكل مرجعية الحكومة السودانية في المجالات كافة،وبينها السياسة الخارجية.
وكان إعلان الحرية والتغيير شدد على ان السياسة الخارجية تقوم على مرتكزات الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور.
هذا معناه ان لقاء حمدوك وامير قطر يأتي في اطار موقف مبدئي يعكس استقلالية القرار،ويؤشر أيضا ،كما أرى ،إلى أهمية دولة قطر في المنطقة والعالم .
وأنظر بالمنظور نفسه الى لقاءات حمدوك مع مسؤولين خليجيين،سواء في السعودية أو الإمارات ودول أخرى، وأرى أنها إيجابية ومهمة،وتجسد سياسة واعية ومنفتحة على الجميع .
خلاصة الرأي ان السودان اذا واصل التمسك بسياسة خارجية مستقلة ومتوازنة سيكسب احترام الجميع ،بل ستسعى دول الخليج الست ودول العالم كافة الى تعزيز علاقاتها مع الخرطوم،لأن هناك مصالح مشتركة،واعجاب دولي بثورة الشعب السوداني ،السلمية ،المدهشة.
أحيي حمدوك ،وهو يتمسك في أول تحرك خارجي دولي ، بسياسة خارجية متوازنة،تجسيدا لإرادة الشعب السوداني وأهداف ثورته ،الباهرة،التي استعاد بها قراره المستقل.
أقول لإخوانا في دول الخليج الست ، وقد عشت في الدوحة اكثر من ثلاثين عاما وزرت كل دول الخليج واعرف معرفة شخصية عددا من قياداتها،أن السودان الجديد يمد يدا بيضاء ليصافح الجميع، تعزيزا للمصالح المشتركة والاحترام المتبادل .
أدعو دول مجلس التعاون الخليجي الست، وخصوصا السعودية وقطر والإمارات الى فتح صفحة جديدة مع السودان،تستفيد من دروس وسلبيات العلاقة المتأرجحة،الخالية من الاحترام المتبادل، مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
التعلم من الدروس والتجارب الفاشلة ضروري، في سبيل بناء علاقات أفضل وأروع تحقق المصالح المشتركة،وأعتقد في هذا السياق بأن على صناع السياسات السودانية والخليجية أن يدركوا أننا جميعا لن نستطيع تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا، لكننا نستطيع تغيير السياسات ، لتحقيق تعاون أشمل،في سبيل غد أفضل للجميع.