مقالاتالسودان

رحيل “حاجّه نفيسة “.. الذاكرة المشحونة بنبض الصداقة والوفاء

وجودها في عالمنا كان  يعكس ذاكرة  حّية  تحتضن الكثير من جماليات التواصل الإنساني  النابع من نبض الفطرة

محمد المكي أحمد:
رحلت ،اليوم، 17 أكتوبر 2025 سيدة  وقورة، هي “حاجة نفيسة” أحمد حسن كوكو.
برحيلها المًحزن فقدت أسرتها وأهلها ، وأسرتي في السودان وخارجه شخصية ،طيبة، محترمة،  ودافئة الدواخل.
رحيلها أعاد  إلى ذهني شريط ذكريات كثيرة.
منذ سنوات طفولتي وشبابي، عرفت الراحلة، العزيزة، صديقة لوالدتي الراحلة (ستنا) .
ربطت بينهما  آصرة محبة وتقدير متبادل.
المدهش، واللافت أن زوجها الراحل ، الذي  نحرص على مخاطبته بـ ” عم أحمد”  وهو ،القاضي،  أحمد خليل كان صديقاً لوالدي الراحل (أحمد ).
جمعت بينهما   صداقة ومودة ،  لكن اللافت أن يتقاسم زوجان علاقة صداقة ومودة مع زوجين آخرين.
ستنا  صديقة نفيسة، وأحمد هو  صديق لأحمد..
نحن  أيضاً ” جيران” في مدينة بارا، بولاية شمال كردفان بالسودان.
برحيل  من يحلو لنا أن نصفها بـ”خالتنا وعمتنا وأمُنّا” نفيسة فقدت أسرتنا شخصية نكن لها الكثير من التقدير والاحترام والمحبة.
حضورها الحيوي، الرصين،  ووجودها في عالمنا كان   يعكس ذاكرة  حّية ، تحتضن الكثير من جماليات  وروائع التواصل الإنساني،  النابع من نبض الفطرة والقيم الجميلة.
بعد رحيل أمي وأبي لم تقطع  الراحلة العزيزة  جسور مودتها ومحبتها لنا.
تشردت سنوات عدة خارج السودان ،بسبب كتاباتي التي كان يطاردها  ليقمعها قادة  حكم ديكتاتوري جثم على صدور السودانيين لأكثر  من ثلاثين عاما .
بعدما عدت للوطن قبل سنوات عدة  غمرتني بفيض مشاعرها  ودفء المودة  .
كانت وفية لأمي الراحلة .
أمي ( ستنا) سيدة رائعة ، ودودة ، نقية الدواخل ، تحب مساعدة الضعفاء، واستحقت تلك المحبة والوفاء،  إذ كانت إسماً ًعلى مسمى.
الحرب  الحالية  في السودان ، المدمرة، للبشر والحجر والشجر،  شتّت  شمل السودانيين، الذين أضناهم السفر، وأرهقهم الترحال، وأقعدهم المرض، وأتعبهم الجوع ، وضيق ذات اليد.
بسبب اضطراب الوضع في بارا اضطرت حاجة نفيسة  قبل  ستة أشهر أن  تغادر بيتها في بارا  ، بعدما باتت الحياة هناك قاسية وخطيرة  على حياة الناس ، خصوصا لكبار السن، ومَن يحتاج إلى رعاية طبية.
انتقلت إلى رحمة الله في مستشفى ” الزريبة” وهي “زريبة الشيخ البرعي”، ووري جثمانها في مقابر ” المرحبيبة” اليوم، الجمعة ، وهو خير أيام الأسبوع لدى المسلمين ومَن يعرفون أهمية هذا اليوم .
قال تعالي في محكم  كتابه الكريم (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
لا أحد بمقدوره أن يعلم بأي أرض يموت ..
غادرت دنيانا الفانية وهي خارج بيتها العامر، بنبضها وروحها الطيبة، وتواضعها الجم، المُتجذّر في أعماقها.
عدد كبير من السودانيين حملتهم الضرورة، والحاجة المُلحّة بسبب الحرب البشعة إلى مغادرة بيوتهم، وبعضهم انتقل إلى رحمة الله في مواقع شتى.
الموت حق..
أي إنسان يحزن كما يفرح،  ويتألم أيا كان موقعه ودوره في هذه الحياة، وخصوصاً من فقدوا  أحباباً وحبيبات بسبب المرض أو لأي سبب آخر.
الإنسان ، المتوازن ، الذي لا يعاني من داء التًوحّش  لا تسره شلالات الدم  المسفوك  بغزارة حاليا في السودان، ومشاهد القتل اليومي، التي تستخدم الأسلحةً الفتاكة والكلام الأجوف، والحروف السامّة .
إذا فقدنا الشعور الإنساني، بحب الخير وكراهية الشر سنفقد إنسانياتنا، وعلينا إذا حدث ذلك  أن نسعى  لاسترجاع  إنسانيات  مفقودة.
نفيسة كانت بطبعها سيدة  فاضلة ،تحمل في أعماقها نبضاً إنسانياً بالفطرة ، وبصفة الإنسان في يوم  ولادته  وإطلالاته  الأولى على الحياة.
نسأل الله أن يتغمد الحاجة نفيسة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
أحر التعازي إلى بناتها وأبنائها ، عفاف، إخلاص، سيف الدولة، خالد، محمد الفاتح، خليل، عسجد، هيثم، والأهل.
( إنا لله وإنا إليه راجعون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *