أخبار وتقاريرأميركاالاماراتالسعوديةالسودانتركيافلسطينقطرمصر

ماهي رسالة  قمة شرم الشيخ للسودانيين بعدما  أوقف ترمب حرب غزة؟

الرئيس الأميركي أشاد بأدوار قادة مصر وقطر وتركيا في إنجاح "خطة غزة" وسيستثمر علاقاته لإطفاء نار الحرب في السودان بالتنسيق مع السعودية والإمارات

محمد المكي أحمد:

 وقف إطلاق النار في غزة يواصل الصمود، لليوم الثاني، تنفيذاً لخطة السلام، التي وضعها دونالد ترمب، ووافقت عليها إسرائيل وحماس، بضغط من الرئيس الأميركي.

هذا التطور، العملي، الملموس،  يأتي  تطبيقاً لخطوات تنفيذية نصت على وقف النار فور موافقة اسرائيل وحماس على الخطة الأميركية ، وتبادل الأسرى خلال 72 ساعة.

وهاهي مواكب حاشدة، ترسم صوراً إنسانية مؤثرة، تؤكد عودة “مئات الآلاف”من الفلسطينيين إلى بيوتهم المدمرة، وتتعدد المشاهد اللافتة، منذ الجمعة 10 أكتوبر 2025 ، رغم  أن معظم البيوت مدمرة بالحرب الإسرائيلية التي استمرت سنتين.

وأكد الرئيس الأميركي أن عودة الرهائن الإسرائيليين  ستتم يوم الإثنين ، 13 اكتوبر الجاري.

وفي خطوة تؤشر إلى حرصه على إنجاح خطته  لوقف آلة الحرب في غزة على طريق  ما يصفه بـ ” سلام  الشرق الأوسط”، تأتي زيارة ترمب إلى المنطقة، وكان أعلن  أنه سيزور مصر واسرائيل و سيلقي  خطاباً في الكنيست ( البرلمان الإسرائيلي) ويُتوقع أن يطلق  خلال جولته مواقف تتناول قضايا المنطقة والسلام.

مشاركة الرئيس الأميركي  في مراسم  اتفاق سلام غزة ،الذي تم التوصل اليه في شرم الشيخ، المصرية ،  والدعوة التي وجهها  لعدد من قادة دول المنطقة و العالم، لحضور الاحتفال بالحدث ، تهدف إلى إضفاء  صدقية بشأن سعيه لانجاح خطة وقف الحرب وإطلاق الرهائن، وتمسكه بدور ” صانع السلام”  في العالم.

كما تؤشر دعوته لقادة دول فاعلة ومهمة، للمشاركة في مراسم “السلام”، التي ستشهدها مصر، إلى حرصه على استقطاب دعم اقليمي ودولي  لمبادراته في المنطقة والعالم ، تعزيزاً لزعامته وأدواره  الهادفة لصناعة تاريخ جديد ،وهاهو  ينجح في وقف الحرب على   غزة بموقف حاسم غير مسبوق ، وضغوط فاعلة .

المشاهد التي أطلت فور سريان  وقف النار في غزة  بدت  باهرة من خلال مواكب فلسطينية ، إذ عاد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى  شمال غزة، مشياً على الأقدام لمسافات طويلة، على شوارع  ترابية ، تيحيط بها بيوت مدمرة ، و أطنان من الحجارة وآثار الدمار.

تلك المشاهد روت قصص المآسي والمعاناة،وقوة إرتباط  الفلسطيني بأرضه وقضيته  العادلة، ورفضه التهجير، رغم فقدان المأوى،وكل الخدمات الضرورية ، وهاهي الأوضاع  الحياتية الصعبة  تخنق  أكثر من مليوني فلسطيني بأزمات إنعدام المسكن والمأكل والعلاج.

في هذه الظروف القاسية، فان تحديات لا حصر لها أمام ترمب وقادة العالم الذين تسابقوا لإعلان دعمهم لاتفاق إسرائيل وحماس.

 في صدارة التحديات،  ضرورة وضع حد نهائي لحرب استهدفت إبادة الإنسان الفلسطيني، وشطبه من الوجود، والتوصل لحل شامل ودائم،وعادل يحترم حقوق الشعب الفلسطيني، في حياة حرة وكريمة في دولة مستقلة .

 الإسرائيليون  دفعوا أًيضا ثمناً باهظاً في 7 أكتوير 2023 . إذ قتلت حماس عدد كبيراً من الإسرائيليين، واختطفت رهائن.

إسرائيل  قتلت بالحرب البشعة  أكثر من 67 ألفاً،  وفقاً لمصادر فلسطينية.

هذا كله بسبب استمرار الاحتلال..

 لكن وقف الحرب على غزة  انجاز تاريخي و ايجابي يُحسب للرئيس ترمب، وسيشكل تسليم الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات،  وإطلاق أسرى ومسجونين فلسطينيين اختبارا كبيراً لمدى التزام الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني باتفاق السلام، وصدقية الطرفين.

الاتفاق  يبقى هشاً إذا لم يتم الإلتزام  الصارم بمتطلبات المرحلة الأولى للاتفاق ومراحل لاحقة، وهي شديدة التعقيد.

لكنني أعتقد بأن ترمب لن يتردد في ممارسة أقصى أنواع الضغط لانجاح خطته.

 ترمب الذي  أعلن أنه سيزور مصر، سيتحدث  في اسرائيل أمام الكنيست ( البرلمان)  ، قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة .

عشية وصوله  إلى المنطقة، ومشاركته في قمة شرم الشيخ وصلت  قوات أميركية إلى اسرائيل، لمراقبة ودعم تنفيذ اتفاق السلام.

تفاعلات المشهد في شرم الشيخ المصرية، سترسل رسائل إلى العالم، وخصوصاً إلى مفجري الحروب، الذين يعبثون بحياة البشر في بعض الدول، ويعرضون حياة الإنسان للموت بالأسلحة الفتاكة وبالرُعب ،والتشرد والجوع والمرض.

تفاعلات الحدث التاريخي مهمة،  إذ تنطلق من مصر التي أعلن رئيسها في موقف قوي وحاسم رفضه القاطع لمحاولات تهجير الفلسطينيين ، رغم الضغوط ، وقال إنه لن يشارك في هذه الجريمة.

 ( أعلام دول مشاركة في قمة شرم الشيخ ( رويترز)

قمة شرم الشيخ برئاسة  الرئيس ترمب والرئيس عبد الفتاح السيسي وبمشاركة قادة عشرين دولة، يوم الإثنين، 13 أكتوبر الجاري، سترسل رسالة ساخنة  إلى هواة الحروب في المنطقة و العالم، وبينهم ” قادة” في  السودان.

 مضمون الرسالة، استعدوا مرحلة  إطفاء الحرائق في المنطقة قد بدأت ، وحان وقت  وقف مسلسل  إراقة الدماء،  لأن ترمب قادم بقوة ، وإذا لم تتجاوبوا استعدوا لضغوط هائلة،  من أجل السلام ، للشعوب ، المنكوبة، والمقهورة، استنادا إلى منطق ” سلام القوة” الذي يتحدث عنه ترمب، بوضوح شديد.

أرى أن رسالة ترمب التي قد تأتي  ضمنية وربما علنية  إلى رافضي السلام في السودان، لن تصدر من واشنطن، بل من المنطقة، حيث سيشارك في حفل سلام غزة في شرم الشيخ ، وسيستهلها  جولته بزيارة اسرائيل ، أي أنها ستنطلق من  منطقة تشهد أزمات طاحنة.

زيارة ترمب لمصر مهمة، وتعكس أبعادا تتجاوز اتفاق سلام غزة، إلى قضايا ذات اهتمام أميركي مصري مشترك، وفي صداراتها الحرب في السودان.

 علاقة مصر  والسودان  تفرضها حقائق التاريخ والجغرافيا، ومصالح ينبغي أن تكون دوما  مشتركة، ولصالح الشعبين.

انضمام  مصر ومشاركتها في مجموعة “الدول الأربع” التي تتكون من  أميركا والسعودية والإمارات، ومصر،  ُتشكل  تطوراً جديداً، ولافتاً، و مهماً ، ويعكس دلالات تفاهمات أميركية مصرية، و تفاهمات مصرية مع السعودية والإمارات.

في ضوء تفاعلات تطورات الأحداث في المنطقة، وتقدير ترمب للدور المصري القطري التركي في التوصل لاتفاق اسرائيل وحماس،  فان لقاء ترمب والسيسي سيرسخ تفاهمات أميركية مصرية بشأن كيفيات إنهاء  أزمة الحرب في السودان، لوضع حد لمعاناة ملايين السودانيين، ومنع تداعياتها السلبية على أمن المنطقة والعالم.

معلوم  لمتابعي الشأن السوداني أن  اللجنة الرباعية  التي تضم أميركا ومصر والسعودية والإمارات أعلنت مواقف لافتة في 12 سبتمبر 2025 تضمنت برنامجاُ زمنيا للتسوية في السودان،  وإطلاق “عملية انتقالية شاملة خلال 9 أشهر تؤدي إلى حكومة مدنية مستقلة وذات شرعية واسعة “.

 واثار بيان ” الدول الأربع” وما زال يثير ردود فعل واسعة ، خصوصاً أنه دعا إلى “تسوية سياسية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”.

 وللمرة الأولى قالت أميركا و مصر والسعودية  والإمارات” “إن مستقبل السودان لا تحدده جماعات متطرفة عنيفة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين”.

أقوى دعم لموقف “الدول الأربع”  تلقته من الاتحاد الأفريقي ، والاتحاد الأوروبي، ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ، وكندا وتشاد والدنمارك وجيبوتي ومصر وإثيوبيا والهيئة الحكومية للتنمية وهي منظمة إفريقية ( إيغاد)  وكينيا والمملكة العربية السعودية وجامعة الدول العربية وليبيا والنرويج وقطر وجنوب السودان وسويسرا وتركيا وأوغندا والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة.

هذه المنظمات  والدول أعلنت  في  25 سبتمبر  2025  اتفاقها على التنسيق من أجل معالجة الوضع في السودان، و خفض التصعيد،وحماية المدنيين.

ورأت في بيان أن  في السودان أزمة إنسانية، وأزمة نزوح هي الأكثر تدميراً في العالم، إذ  يحتاج أكثر من ثلثي السكان، 30 مليون شخص، إلى المساعدة، ويواجه 24 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد .

ولفتوا إلى  ما وصفوه بالتأثير المدمر  للصراع على المدنيين ، وخاصة النساء والأطفال.

هذه الدول والمنظمات وجّهت رسالة حثت فيها “الأطراف المتحاربة على استئناف المفاوضات المباشرة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وأكدت استعدادها  لاتخاذ المزيد من الإجراءات لدعم إبرامه وتنفيذه.

وأعلنت ضمن  8 نقاط  “الترحيب  بالبيان المشترك الذي أصدرته “الرباعية” ( الدول الأربع)  في 12 سبتمبر 2025 بشأن إنهاء الصراع في السودان، وقالت “نعرب عن دعمنا لجهود الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية لتنسيق الجهود الدولية والثنائية للضغط على جميع الأطراف السودانية نحو وقف إطلاق النار والعمل الإنساني والحوار السياسي”.

وفي رسالة لمن يهمهم الأمر في المنطقة والعالم، أدانت هذه المنظمات والدول بشدة التدخل العسكري للدول الأجنبية، والجهات الفاعلة غير الحكومية في الصراع بالسودان ، وحثتها على الامتناع عن تأجيجه ، لا سيما من خلال توفير المعدات العسكرية والدعم المالي، ودعتها إلى الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 1556 (2004).

كما شددت  على التزامها  الثابت بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وأدانت بشدة انتهاكات حقوق الإنسان في السودان ، ودعت الأطراف المتحاربة إلى هدنة  إنسانية في الفاشر .

 أميركا شاركت في بلورة هذه المواقف عشية زيارة ترمب إلى مصر ومشاركته في مراسم التوصل لاتفاق اسرائيل وحماس، ما يعني أن المواقف الأميركية والدولية المعلنة بشأن السودان تشكل أولوية تحظى باهتمام ترمب في لقاءاته  الثنائية مع زعماء المنطقة والعالم.

  ترمب، بسمات شخصيته المعروفة، لن يتردد في إصدار قرارات حاسمة، كي يعزز جلوسه على كرسي الزعامة الدولية  ليقول ” أنا صانع السلام في العالم” والسودان بؤرة ساخنة تتصدر قائمة  بؤر التوتر في المنطقة والعالم، استنادا إلى  حقائق المأساة الإنسانية  غير المسبوقة في العالم، وفقا للأمم المتحدة ومنظمات دولية مستقلة. .

الرئيس الأميركي  الذي يحرص على تأكيد ريادته، يحشد دعم قيادات دول مؤثرة وفاعلة  في الإقليم والعالم،  لخططه ، وفي صدارتهم زعماء  بريطانيا وفرنسا والمانيا  والسعودية والإمارات.

ترمب الذي أشاد بأدوار زعماء  مصر، وقطر ، وتركيا ( عبد الفتاح السيسي وتميم بن حمد  ، و رجب طيب أردوغان)  الذين  دعموا  خطته  بشأن “سلام غزة”، سيستثمر علاقته بهؤلاء القادة، على طريق السعي لاطفاء نار الحرب  في السودان، وستلعب السعودية والإمارات دوراً مهماً بالتعاون مع واشنطن، فالبلدان عضوان في مجموعة ” الدول الأربع” ، والسعودية  هي صاحبة “منبر جدة ” المدعوم خليجياً وأميركياً  وأوروبياً ودولياً.

 المنطقة  تشهد تحولات كثيرة  ومتسارعة بقيادة ترمب، ويالتعاون مع زعماء فاعلين، ومؤثرّين في مجريات الأحداث في المنطقة.

من يُواكب التطورات بوعي، وحكمة، ويراجع الخطى بشجاعة، للتعلم من دروس الفشل، والأخطاء الكبيرة والخطايا  سيكسب.

من يواصل التعنت، والتمسك بـ ” الكرسي الساخن” ومصالحه الشخصية سيجلس طويلا على رصيف الأحداث،  وسيخسر في نهاية المطاف، وسيكون مصيره الملاحقة الدولية والخسران المُبين.

أحدث الأدلة تجلت في إدانة علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ ( كوشيب)  داخل المحكمة الجنائية الدولية، التي أدانته على 27 تهمة.

هذا يعني أن الإفلات من العقاب بات أمراً مستحيلا، طال الزمن أو قصر.

هذه الإدانة التاريخية تمت في 6 أكتوبر 2025 ،بشأن جرائم جرى ارتكابها في الفترة بين 2003 و2004.

هذه ليست إدانة لفرد واحد فقط ، هي إدانة  مدوية لنظام حكم انقلابي ،باطش،  وظالم،  وفاسد ، وهو نظام عمر  البشير (نظام الإخوان المسلمين)  الذي أسقطه الشعب السوداني بثورة شعبية في العام  2019 .

المحكمة الجنائية  الدولية تلاحق البشير حاليا،  كما تلاحق وزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين ووزير الداخلية السابق أحمد هارون، وتُطالب  السلطات العسكرية الحاكمة  في بورتسودان بتسليمهم .

الدروس كثيرة، لكنها تحتاج إلى من يستخلص العبَر والدلالات ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *