أخبار وتقاريربريطانيا و أوروبافلسطين

بريطانيا تعترف بـ “دولة فلسطين”.. هل قرار ستارمر طارئ أم  وليد موقف مبدئي؟

ماذا عن مواقف برلمانيي حزب العمال وقوى داخل الحزب.. وما تأثير تظاهرات الشوارع  السلمية التي رفعت الأعلام الفلسطينية؟

محمد المكي أحمد:

في خطوة تاريخية، تحمل مؤشرات أخلاقيات سياسية جديدة، تنسجم مع مباديء حقوق الإنسان، أعلن رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، اليوم، “رسميا الإعتراف بدولة فلسطين” وتزامن هذا الموقف مع إعلان كندا وأستراليا خطوة مماثلة.

أكد رئيس الوزراء البريطاني حرصه على إبقاء إمكانية السلام وحل الدولتين حياً، و أن  الاعتراف  بدولة فلسطين “لإحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.

و شدد على أنه  يجب ألا يكون  لـ ” حماس” أي دور في المستقبل أو في الإدارة .

وقال  ستارمر، في بيان تاريخي، إن ” حل الدولتين ( دولة إسرائيل ودولة فلسطين)  ليست  مكأفاة لحماس ” و أن الأسابيع المقبلة ستشهد فرض عقوبات على شخصيات أخرى من “حماس”.

قرار مهم وحيوي

القرار البريطاني مهم وحيوي، إذ أصدرته دولة كبرى،  فاعلة، سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا، وأمنيا، على الخريطة الدولية ، وتتمتع بعضوية مجلس الأمن.

 ويبدو القرار كأنه  خطوة  أولى في إطار  مشروع تصحيح لمواقف  بريطانية ظلمت الشعب الفلسطيني،  إذ يرى الفلسطينيون، وداعمو القضية الفلسطينية، أن بريطانيا تتحمل مسؤولية تاريخية بشأن مظالم  صنعتها من خلال وعد بلفور في العام  1917.

تحول سياسي وموقف إيجابي

قرار الإعتراف البريطاني بـ” دولة فلسطين”   يعكس تحولا  سياسيا ، و موقفا إيجابيا ، لا يمكن التشكيك في أبعاده، أو التقليل من أهميته ،  فهو يُعبر عن  تبلور فلسفة  سياسة جديدة يقودها حزب العمال البريطاني ، بعدما تولى زعامته كير ستارمر في 4 أبريل 2020 .

وكان فوز حزب العمال الكاسح في الانتخابات البرلمانية،  التي تم إعلان نتائجها في 5 يوليو 2024  وحملت ستارمر إلى 10 داوننغ ستريت ، قد رسم مشهدا سياسيا جديدا، بحصول   الحزب  الذي يقوده ستارمر  على 412 مقعدا برلمانيا مقابل 121 لحزب المحافظين، أي أنه قادر على تمرير القرارات  الصعبة.

من خلال إطلاعي  على تفاصيل تفاعلات حدثت داخل  أروقة حزب العمال، بشأن أهمية وضرورات دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض ما ترتكبه إسرائيل من قتل شنيع وعمليات إبادة تستهدف الشعب الفلسطيني بدت واضحة في  حربها الحالية على غزة، يمكنني القول  أيضاً إن  قيادة الحزب تمتلك رؤية ،وأن ستارمر صاحب موقف إيجابي في هذا الشأن.

شخصيات وكوادر فاعلة داخل حزب العمال، رفعت صوتها في اجتماعات، وهذه من مميزات الأحزاب العريقة التي تحتكم إلى الممارسة الديمقراطية.

تلك الأصوات أعلنت أنها تدعم حقاً إنسانيا لشعب يرزح تحت احتلال اسرائيلي،  يسلب حقوق الفلسطينيين الإنسانية، ويهدد الأمن الإقليمي والدولي، ويتسبب في وضع حلفاء إسرائيل التاريخيين – وفي صداراتهم  بريطانيا- في محكات صعبة، ومُحرجة،  تكشف بجلاء  إزدواجية المعايير والكيل بمكيالين.

طالبت تلك الاصوات قيادة حزبها  وحكومتها  باتخاذ موقف إيجابي تجاه  ما يدور في غزة ، وهذا ساهم في أن يقوى خطى الحكومة، لتقول لا لإسرائيل، و لممارسات دموية واستيطانية ، ونعم لـ ” دولة فلسطينية”.

ضغوط برلمانيين وأعتراف بعد شروط

أكثر من نصف نواب حزب العمال في  مجلس العموم (البرلمان) وقعوا في يوليو الماضي  على رسالة طالبت  الحكومة بالاعتراف الفوري بدولة فلسطينية. واقترنت هذه الدعوة بتحذير من أن   تأخير إعلان الدولة الفلسطينية سيسفر عن تنفير المزيد من أنصار الحزب المسلمين.

في هذا السياق، أشير إلى أن  إعلان رئيس الوزراء البريطاني ، اليوم،  الإعتراف بـ ” دولة فلسطين”،  جاء بعد تحذير وجهه لإسرائيل في يوليو الماضي ، إذ حدد شروطا طالب إسرائيل بتنفيذها لتتجنب الإعتراف بالدولة الفلسطينية، أي أنه منح حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة لإعادة النظر، في مواقفها وممارساتها.

 شملت  الشروط  ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة  يؤدي لإطلاق سراح الرهائن ؛ والإلتزام  بـ ” سلام مستدام طويل الأمد” وبـ” حل الدولتين”.

عقوبات على وزيرين

في خضم تفاعلات ساخنة، فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على  وزيرين اسرائيليين،  في 10 يونيو 2025.

جاء هذا في خطوة مشتركة بين  بريطانيا  و أستراليا وكندا ونيويلندا والنرويج ، وجرى “فرض عقوبات تستهدف إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) الإسرائيلي وبتسلئيل سموتريتش  (وزير المالية)  الإسرائيلي، بسبب تحريضهما على العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية”.

 خلاف بين واشنطن ولندن 

هناك أيضا تباين في المواقف بين واشنطن ولندن ..

 في ضوء علاقة التحالف والشراكة  القوية بين واشنطن و لندن ، وأيضا العلاقة القوية بين بريطانيا وإسرائيل ، استطاع ستارمر وهو يقود حكومة بريطانية ببصمات  حزب العمال، أن يصدر قرارا تاريخياً يعترف بـ ” دولة فلسطين” ، رغم أن الرئيس دونالد ترمب يرفض الإعتراف بحق الفلسطينيين في بناء دولة مستقلة إلى جوار دولة إسرائيل.

هذا يعني أن قرار الحكومة  البريطانية  يكتسب أهمية إضافية ، لأنه يأتي غداة زيارة  الرئيس الأميركي دونالد  ترمب إلى المملكة المتحدة ، واجتماعه مع رئيس الحكومة البريطانية،في 18 سبتمبر الجاري.

 وأقر الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني أن موضوع الدولة الفلسطينية من المواضيع القليلة التي يختلف فيها مع ستارمر.

دلالات الإعتراف البريطاني 

قد يقول قائل، ماذا يعني القرار البريطاني على أرض الواقع في ظل استمرار أساليب البطش والقمع وسفك الدماء والتجويع في غزة؟

 إعتراف بريطانيا بـ” دولة فلسطينية” يعني  إقرارها بحقوق الشعب الفلسطيني في حياة حرة كريمة، ويعني رفض سياسة التهجير وبناء المستوطنات والإبادة ، ويعني دعم الجهود العربية والإسلامية والدولية المنصفة التي تنحاز لخيار السلام بدلا عن الحرب والدمار والتقتيل وسفك الدماء الفلسطينية والإسرائيلية.

أي أن هذا الإعتراف  يدعم بقوة  التوجه الهادف لاحلال السلام بين الإسرائليين والفلسطينيين، لمصلحة ، وشعوب المنطقة ، و شعوب العالم التي تتأثر بشكل  مباشر بما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من مذابح ، وأيضاً بما يواجهه الإسرائيليون من استهداف  دموي ، كالذي جرى في 7 أكتوبر 2023.

 الاستهداف متبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكنت أشرت إلى ذلك في مقال  باللغة الانكليزية عن إطلاق سراح رهائن إسرائيليين في وقت سابق  ( الرابط في نهاية هذه السطور) .

الاستهداف المتبادل لا يمكن  إيقافه إلا بسلام حقيقي، ينتصر لحقوق الإنسان الفلسطيني،التي تُقرها كل  المواثيق الدولية، ويدعمها مسلمون ومسيحيون ويهود منصفون، نزلوا الى شوارع بريطانيا وعواصم يتنفس إنسانها عبير الحرية وقالوا كلمتهم.

ألوان طيف عدة شاركت في تظاهرات  حاشدة  خرجت وتخرج   في  شوارع  لندن وأوروبا وأميركا، حيث يتمتع الإنسان بحرية التعبير والكلام .

قال المتظاهرون، ويقولون ،  لا  لاستمرار شلالات الدم في غزة، وفي أي أرض فلسطينية، ونعم لفلسطين حرة .

 في هذا السياق  أشير إلى أن شوارع لندن، الهادرة، المتضامنة مع حقوق الفلسطينيين، والرافضة لسفك دمائهم، والتي رفعت الأعلام الفلسطينية، وصور الأطفال القتلى والجوعى قد ساهمت مساهمة حيوية في بلورة قرار الإعتراف البريطاني، وفي صناعة مُناخ جديد، وفاعل في لندن ومدن أخرى.

 موقف ستارمر طاريء أم نتاج قناعة؟

في هذا الاطار، هل موقف ستارمر بشأن الإعتراف بالدولة الفلسطينية، فرضته ظروف المرحلة وطارئ ، أم أنه نتاج قناعة  مبدئية؟

منذ أن  تم انتخاب ستارمر  زعيما لحزب العمال، وقبل توليه مهمات رئاسة الحكومة ، أعلن دعمه لخيار حل الدولتين ( دولة إسرائيل ودولة فلسطين).

لم استغرب إعلانه الإعتراف ب”دولة فلسطين”، لأن تجربتي الشخصية  معه تعيدُ للذهن مضمون رسالة تلقيته منه، ردا على رسالة أرسلتها إليه ،  إذ كنت دعوته  إلى أن يلعب دورا لوقف الحرب في غزة ودعم حقوق الفلسطينيين.

قال لي ستارمر في رده، في فبراير 2024، إن “حكومة حزب العمال المقبلة ستكرس جهودها للعمل من أجل حل الدولتين”، وتعهد بهذا الموقف قبل الانتخابات البرلمانية التي اكتسحها حزبه وحملته إلى  رئاسة الحكومة.

 قال في رسالته  إنه “لم تكن هناك محادثات سلام جادة على مدى قرن و” لهذا السبب ينبغي أن تكون هناك عملية سلام جديدة تتسم بالقدرة والإقناع والالتزام ،لتحويل الخطابة بشأن دولتين تعيشان جنبا الى جنب بسلام الى واقع”.

ودعا، في رسالته التي تلقيتها عبر البريد الإلكتروني ” المجتمع الدولي إلى خوض هذا التحدي  ( حل الدولتين) ،ورأى آنذاك  “أن مستقبل الاسرائيليين والفلسطينيين يعتمد على ذلك”. ( رابط  رسالة ستارمر في  نهاية هذه السطور وكنت نشرتها في فيسبوك و موقعي الإلكتروني)

هذا معناه أن قناعته بـ” حل الدولتين” راسخة في عقله ، و ليست جديدة، وكان قال لي في رسالته  إنه”ينبغي أن تكون هناك عملية سلام جديدة تتسم بالقدرة والإقناع والالتزام ،لتحويل الخطابة بشأن دولتين تعيشان جنبا الى جنب بسلام الى واقع” .

أرى  أن قرار بريطانيا الإعتراف بـ ” دولة فلسطين”  يعكس إستقلالية القرار البريطاني، وعدم تبعيته، لقرار الإدارة الأميركية، وهو يعبر أيضا عن  صدقية سياسية تُحسب لرئيس الوزراء البريطاني، زعيم حزب العمال، في توقيت مهم وحيوي.

القرار البريطاني يقدم دعماً قويا  لشراكة فرنسية سعودية ، تبلورت ملامحها، وتجسدت خطاها، في مؤتمر نيويورك، بشأن “حل الدولتين”.

مبادرة وجهود  الرياض وباريس  نجحت نجاحا ملحوظا، إذ  حشدت تأييدا دوليا كبيرا لهذا التوجه السليم والعقلاني، وهذا يؤشر أيضاً إلى أن السعودية  وفرنسا – رغم ارتباطهما بعلاقات تحالف مع  إدارة ترمب – واصلتا مشوار الترتيبات والحشد لمؤتمر ” حل الدولتين”، بإرادة فولاذية، وستعلن دول عدة إعترافا  بـ “دولة فلسطين”.

لكن المحك، أمام بريطانيا وفرنسا والسعودية ودول العالم التي اعترفت منذ سنوات عدة  أو ستعترف بـ ” الدولة الفلسطينة”، يكمُن في كيفيات إحالة مواقف الإعتراف بـ “دولة فلسطين” إلى خطوات عملية، ملموسة، تساهم في وقف الحرب في غزة وعمليات الإبادة  وخطوات التهجير والتجويع كأولوية في هذا الوقت الصعب.

أيا تكن مسارات الأحداث، فان الشعوب المظلومة، وفي صداراتها الشعب الفلسطيني، ستنتصر لحريتها وكرامتها، طال الزمن أو قصر.

هذه حقيقة من حقائق التاريخ ودروسه ..

لا مستقبل للظلم ..

المستقبل للحرية والعدالة ..وكفالة  كل حقوق الإنسان ..

رابطا رسالة ستارمر ومقالي عن إطلاق رهائن وحل الدولتين:

Western leaders under pressure after the release of hostages

Starmer: “The next Labour government would be dedicated to working towards a two-state solution”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *