
محمد المكي أحمد:
أكد الاجتماع الذي عقده الرئيس الأميركي بمشاركة زعماء أوربيين، والرئيس الأوكراني أن دونالد ترمب يُصوًب نحو هدف أكبر، يكمن في أهمية التوصل لـ ” سلام دائم ” في أوكرانيا “في المستقبل القريب”.
خمسة عناوين تصدرت تفاعلات أول حدث من نوعه يشهده البيت الأبيض، في 18 أغسطس 2025 ، وحاء غداة القمة الأميركية الروسية التي جمعت الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين ، في ألاسكا في 15 اغسطس 2025، وناقشا سبل انهاء الحرب في أوكرانيا واحلال السلام .
” الضمانات الأمنية” لأوكرانيا جاءت في صدارة القضايا الساخنة والمهمة التي نوقشت في القمة الأميركية -الأوروبية- الأوكرانية ، وهي ضمانات يُلح عليها الأوروبيون كما يعض عليها زيلينسكي بالنواجذ، لأنها تتعلق بحاضر ومستقبل أمن أوروبا، وأوكرانيا.
لم تُكشف تفاصيل الضمانات الأمنية المطلوبة ، لكن في ضوء مسارات الأحداث، يمكن القول إن الأوروبيين والقيادة الأوكرانية يريدون ضمانات لأمنهم من الرئيس ترمب ( من أميركا) ضد أي عدوان روسي ، حاضرا ومستقبلا ، استنادا إلى ثقل أميركا ، الدولة الأكبر والاقوى في العالم، إضافة إلى ما يرمز اليه “وزن” رئيسها، الزعيم الكبير في العالم ، وقد تعهد في الاجتماع بضمان أمن أوكرانيا.
مسألة ” تبادل الأراضي” بين روسيا وأوكرانيا -وهي العنوان الثاني للقاء- فرضت وجودها في المداولات ، وبينما قال ترمب ” سنناقش تبادل الأراضي وهذا يشمل منطقة الحرب” رأى زيلينسكي أن “موضوع الأراضي سنناقشه في الاجتماع الثلاثي” .
لكن المؤكد أن هذا الموضع جرى تناوله في الاجتماع المُغلق، وسيتم استكمال بحثه والتوصل لتفاهمات بشأنه عبر محادثات تستوجب مشاركة زيلينسكي و بوتين وترمب.
العنوان الثالث للحدث الأميركي – الأوروبي – الأوكراني ظهر في إجماع وتشديد المشاركين في لقاء واشنطن التاريخي على أهمية عقد ” قمة ثلاثية” بين ترمب وبوتين وزيلنسكي، للبت في قضايا شائكة.
حرص ترمب على تطمين الأوربيين بالإشارة إلى إمكان مشاركتهم في القمة الثلاثية المقترحة ، في خطوة تهدف كما يبدو لطمأنتهم وتعزيز الشراكة لانجاح مبادرته الهادفة لإطفاء نيران الحرب الروسية الأوكرانية، إذ قال للقادة الأورببين ” يمكنكم حضور إجتماعي مع بوتين”.
وسجل حضورا في القمة، من الجانب الأوروبي ،الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر ، ورئيسة وزراء ايطاليا جورجا ميلوني، والرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، ورئيسة وزراء ايطاليا جورجا ميلوني والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين.
السمة الرابعة لاجتماع واشنطن عكستها الروح المتفائلة، و الإشادة الودية المتبادلة بين ترمب والمشاركين في الاجتماع ،وكان لافتا أن ترمب حرص على أن يُوجًه عبارات إشادة وتقدير لكل المشاركين في الاجتماع، وقد بادلوه التحية والتقدير والثناء، ونوهوا بدوره الهادف لاحلال السلام، وفي أوضح تعبير عن نبض التفاؤل قال الرئيس الأميركي ” أظن سنخرج بنصر”.
في هذا السياق شكل تركيز ترمب على العلاقة الشخصية بالقادة الأوربيين المشاركين في الاجتماع ، سمة من سمات الاجتماع ، إذ وصفهم بأوصاف شملت ” على سبيل المثال ” القائد العظيم” و” أعجبت به من اليوم الأول” و” شخص رائع” وغيرها من النعوت الشخصية التي تطرب القلوب قبل أن تخاطب العقول.
هذا الجانب أشرت إليه في تحليل سابق عن قمة ترمب وبوتين بعنوان “هل فشلت قمة ترمب – بوتين في ألاسكا؟”، إذ أشرت إلى أن الرئيس الاميركي يولي اهتماما وحرصا على العلاقات الشخصية مع قادة دول حليفة وصديقة وأيضا مع قادة دول منافسة كالصين وروسيا.
ترمب يولي جسور التواصل الشخصي اهتمامه ويضعها في صدارة أولويات سياساته، التي تعتمد ضمن مرتكزات أخرى معروفة على ما يمكن وصفه بدبلوماسية ” الأنا” القائمة على البعد الشخصي في نسج شبكة العلاقات لتحقيق المصالح والأولويات .
وهاهو يحرص على إرسال رسالة مودة جديدة إلى بوتين من قاعة اجتماعه مع قادة أوربيين، و هي تعكس حرصه على مد جسور التواصل ونبض المودة مع الرئيس الروسي ، إذ قال ” لدي علاقات قوية وجيدة مع بوتين “.
أرى أن السمة الخامسة، وهي مهمة لترمب وزيلينسكي، تكمن في دعم قادة أوروبا لمبادرة ترمب الهادفة لانهاء الحرب الروسية على أوكرانيا باتفاق سلام ، وبضمانات أمنية أميركية لأوكرانيا ، وهي من دون شك ضمانات للأمن الأوروبي.
القادة الأوربيون المشاركون في لقاء البيت الأبيض وبينهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أكدوا دعمهم لدور ترمب .
الرئيس الأوكراني يُعوًل كثيرا على الدور الأوروبي الداعم لحقوق الأوكرانيين في السلام والسيادة، إذ قال لهم بحضور ترمب إن” أمن وسلام أوكرانيا يعتمدان عليكم”
وشدد على اهتمامه بـ”موضوع الأراضي ” الأوكرانية و” الضمانات الأمنية” و” إعادة الأطفال ( الأوكرانيين) لذويهم”، ونوه في هذا الإطار بلقاء ” مثمر” عقده مع القادة الأوربيين عشية اجتماع عقده ترمب معهم في أميركا.
ترمب خطا خطوة مهمة باجتماعه مع قادة أوفدتهم أوروبا بحضور الرئيس الأوكراني، وستساهم مداولات هذا اللقاء في ردم فجوة سوء تفاهم كبيرة سادت في وقت سابق بين الرئيس الأميركي وقادة أوروبيين.
لكن مخاوف الأوربيين من سياسات ترمب تظل حاضرة في القلوب والعقول إلى أن تتضح مسارات المعالجة للأزمة في أوكرانيا، وكيفيات تعامل ترمب مع قضايا الرسوم الجمركية والتعهدات الأمنية وقضايا الدفاع ، وبالمقابل فإن قادة أوروبيين لا يثقون في بوتين، وقد قالها بصراحة رئيس فنلندا.
سؤال الساعة ماذا بعد اجتماع ترمب والقادة الأوروبيين وزيلينسكي ؟
الجواب جاء سريعا على لسان ترمب، إذ نوًه بنتائج الاجتماع ، وقال إنه ” جيد للغاية” وأضاف في خطوة لافتة ” بدأنا ترتيبات لعقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي “
يُشار إلى أن الرئيس الأميركي قطع اجتماعه مع القادة الأوربيين ليجري اتصالا مع نظيره الروسي، ثم عاد لاستئناف المداولات، وعكس هذا التطور مؤشرا ايجابيا من مؤشرات نجاح اللقاء الأميركي – الأوروبي – الأوكراني ، ما يُمهًد لامكان حدوث اختراق مهم في ملف الأزمة الروسية الأوكرانية، رغم تعقيداتها الكثيرة.
إذا نجح ترمب في طي هذا الملف المُعقًد فسيضيف إلى سجله نحاحا كبيرا وباهرا ، يُضاف إلى نجاحه في طي ملفات أزمات بين كمبوديا وتايلاند، و الهند وباكستان، و رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ترمب قال إنه يسعى “لإحلال السلام في العالم”، و أمامه الآن التحدي الأكبر، الذي لا يحتمل التأجيل ، ويكمن في ضرورة وقف الحرب على غزة وإحلال السلام ورفع الظلم عن الفلسطينيين، و هناك تحدي الاعتراف بالدولة الفلسطينية أي حل الدوليتن الذي يضمن السلام والأمن والاستقرار للإسرائيليين والفلسطينيين ،وهذا يعني أن احترام حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وتمتعه بالعيش الكريم ، هي مقياس النجاح الأكبر لجهوده الهادفة لتحقيق السلام في العالم .
أمام ترمب أيضا ملف المساهمة المهمة والمطلوبة لانهاء الحرب الشرسة والمدمرة في السودان، التي قتلت الآلاف وشردت الملايين، ودمرت البشر والشجر والحجر. وهي ازمة طاحنة أيضا لا تحتمل التأجيل، حقنا لدماء السودانيين ، ودعما لحق الانسان السوداني في ان يعيش في وطنه آمنا ، ينعم بالاستقرار والطمأنينة ، في مناخ السلام والعدالة والحرية.