أخبار وتقاريرالسودان

“هيومن رايتس ووتش”: الجيش السوداني قتل أعدادا كبيرة من المدنيين

ماذا قال "شهود عيان" عن مشاهداتهم بشأن "الغارات العشوائية "في نيالا وما هي دعوة المنظمة للجيش ودول العالم؟

لندن – ( إطلالة)

قالت “هيومن رايتس ووتش” إن  القوات المسلحة السودانية استخدمت قنابل غير موجهة أُلقيت جوا، لشن هجمات على أحياء سكنية وتجارية في نيالا  بجنوب دارفور أوائل فبراير 2025، وقالت إن هذه الهجمات العشوائية، التي تشكل جرائم حرب مفترضة، قتلت وأصابت أعدادا كبيرة من المدنيين.

وأضافت المنظمة الحقوقية الدولية أن الجيش السوداني شنّ هجمات متكررة على نيالا، عاصمة جنوب دارفور، منذ سيطرة خصمه “قوات الدعم السريع” على المدينة أواخر أكتوبر 2023، التي كان يقطنها أكثر من 800 ألف نسمة  قبل النزاع الحالي، وهي الأكبر في دارفور، وإحدى أكبر مدن السودان.

 و رأت المنظمة  في تقرير أصدرته،  اليوم ، 4 يونيو 2025،  أن “استخدام قوات الدعم السريع مطار نيالا  لأغراض عسكرية يجعله من الأعيان العسكرية وهدفا مشروعا” و “أن  الهجمات الموجهة ضد مقاتلي قوات الدعم السريع والأهداف العسكرية كالمطار متوافقة مع قوانين الحرب طالما أنها لا تُلحق بالمدنيين أضرارا عشوائية أو غير متناسبة”.

هجمات قتلت عشرات الرجال والنساء والأطفال

وأشار جان باتيست غالوبان،  وهو باحث أول في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش إلى “قصف الجيش السوداني أحياء سكنية وتجارية مكتظة بالسكان في نيالا باستخدام قنابل غير دقيقة” وقال إن هذه الهجمات قتلت عشرات الرجال والنساء والأطفال، ودمرت العائلات، وزرعت الخوف والنزوح”.

وكشفت هيومن رايتس ووتش إنها  “تلقت تقارير موثوقة عن غارات جوية عديدة بين نوفمبر 2024 وفبراير 2025، وأجرى باحثون تحقيقات مفصّلة في خمس غارات جوية شُنت في 3 فبراير، أوقعت بشكل خاص إصابات قتلى بين المدنيين، وأجرى الباحثون مقابلات مع 11 شخصا ضحايا وشهود، وثلاثة أشخاص من الطواقم الطبية التي عالجت الضحايا، وحللوا صورا فوتوغرافية وفيديوهات من وسائل التواصل الاجتماعي، منها ما يُظهر بقايا ذخائر من ثلاث غارات”.

وجاء في تقرير المنظمة الحقوقية أن شهودا قالوا  إن غارات 3 فبراير( 2025) أصابت مناطق سكنية وتجارية مزدحمة في حيَيْ الجمهورية والسينما بوسط المدينة في تتابع سريع، بالإضافة إلى شارع الكونغو، وهو طريق رئيسي في المدينة

وتابع التقرير أن   منظمة “أطباء بلا حدود” أفادت أن 32 شخصا قُتلوا وأصيب العشرات بحسب المزاعم، وقال شهود إن غارة جوية أصابت متجرا للبقالة قرب “مستشفى مكة للعيون” في شارع يعج بالناس والمركبات، ما أوقع عددا كبيرا من القتلى و قال رجل وصل إلى مكان الحادث بعد وقت قصير: “دُمر المكان بالكامل وتضرر جراء الغارة الجوية وقُتل كثيرون و من بين القتلى سيدة مسنة،  وركاب سيارة تويوتا، وبعض المارة”. وأضاف أن أكثر من 35 شخصا قُتلوا هناك.

صور لبقايا ذخيرة .. وقنبلة شديدة الانفجار

ووفقا لتقرير المنظمة، أفاد “مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة” الذي يجمع بيانات عن النزاعات حول العالم أنه بين 2 و4 فبراير( 2025) قُتل ما بين 51 و74 مدنيا وأُصيب العشرات، و أفادت أطباء بلا حدود ، عن مقتل 25 شخصا على الأقل في غارات جوية في 4 فبراير ، وإصابة 21 آخرين في غارة جوية على مصنع لزيت الفول السوداني نُقلوا إلى “مستشفى نيالا التعليمي” الذي تديره المنظمة.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنها راجعت  صورا لبقايا ذخيرة لتحديد الأسلحة المستخدمة في ثلاث غارات في 3 فبراير ، وتمكنت من ذلك في اثنتين. وخلصت المنظمة  إلى أنه تم استخدام قنبلة من طراز “أوفاب-250” (OFAB-250) في الغارة التي وقعت أمام “مستشفى مكة للعيون”، وهي قنبلة غير موجهة شديدة الانفجار ومتشظية، في غارة أخرى. حددت هيومن رايتس ووتش استخدام قنبلة من طراز “فاب” (FAB) متعددة الأغراض وغير موجهة أُلقيت جوا أصابت طريقا يبعد حوالي 140 مترا شمال غرب المستشفى.

ووصف خمسة شهود طائرة واحدة، لا يبدو أنها مقاتلة نفاثة، كانت تحلق في السماء وقت الغارات، و قال أحد الشهود: “رأيت الطائرة تحلق حول المدينة، كانت طائرة كبيرة، تشبه طائرة الشحن… قصفت في دورتها الثانية حول المدينة وفقا للتقرير.

ونسبت المنظمة الحقوقية إلى عامل يومي نجا من غارة أودت بحياة أخته وابن أخيه في 3 فبراير قوله : “كانت الطائرة تحلق على ارتفاع كبير جدا جدا، لم يكن الوقت الفاصل بين الغارتين طويلا، ربما دقيقة أو دقيقتين ، قصفت الطائرة، ثم انعطفت، ثم قصفت ثانية بعد فاصل زمني قصير جدا”.

وفي معظم الظروف – وفقا للتقرير- لا يمكن توجيه قنابل أوفاب والقنابل غير الموجهة الأخرى من سلسلة أوفاب أو فاب نحو هدف عسكري محدد لأن لها تأثيرات واسعة النطاق ودقة محدودة، لذلك، من المرجح أن تصيب أهدافا عسكرية ومدنيين أو أهدافا مدنية بدون تمييز عند استخدامها في منطقة مأهولة بالسكان، مثل الأحياء السكنية المكتظة في نيالا، ما يجعل الهجوم عشوائيا.

الهجمات العشوائية جرائم حرب

وقالت هيومن رايتس ووتش إن غارات 3 فبراير يُفترض أنها عشوائية وتنتهك القانون الإنساني الدولي، ورأت أن شن هجمات عشوائية عمدا أو بتهور يشكل جريمة حرب.

وأضافت المنظمة : كانت غارات غرة فبراير( 2025) جزءا من موجة قصف جوي أوسع نطاقا شنّها الجيش على نيالا، و سجّل مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة  41يوما من الغارات الجوية على مدى ثلاثة أشهر بين ديسمبر 2024 وفبراير 2025، وشملت أياما شهدت غارات جوية متعددة، وقد أصابت العديد من هذه الغارات الأحياء الشرقية من نيالا، التي تضمّ تمركزا كثيفا لمقاتلي قوات الدعم السريع في مواقع عديدة، بما في ذلك مطار نيالا ومحيطه، وهو مركز رئيسي لقوات الدعم السريع.

وجاء في التقرير أنه “عندما تُنشر القوات في مناطق مأهولة بالسكان، كما في حالة قوات الدعم السريع في نيالا، ينبغي لها تجنب وضع أهداف عسكرية قرب المناطق المكتظة بالسكان والسعي إلى إبعاد المدنيين عن محيط الأنشطة العسكرية، و تُقيّد قوات الدعم السريع بشدة وصول المدنيين إلى أجزاء من شرق نيالا.”

وأكد التقرير الحقوقي أن الغارات الجوية على المناطق السكنية في وسط نيالا ألحقت خسائر فادحة في صفوف المدنيين، و قال العامل اليومي: “الغارات الجوية هي الأسوأ، لأنها تدمر كل شيء، في حالة الأعيرة النارية، يستطيع الناس تجنبها والاحتماء منها، لكن لا يمكننا الاحتماء من الغارات الجوية. إنها قوية جدا”.

وأضافت المنظمة أن إمكانية تلقي الضحايا الرعاية الطبية وتوافرها محدودان للغاية. و قال أربعة شهود تمت مقابلتهم إنهم لم يتمكنوا من تلقي العلاج اللازم لإزالة شظايا الذخائر، إما لعدم قدرتهم على تحمل تكلفته أو لنقص الأطباء المؤهلين في نيالا.

دعوة  الجيش لايقاف الهجمات  العشوائية

وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للجيش السوداني إيقاف جميع الهجمات العشوائية فورا، بما فيها تلك التي تنطوي على استخدام قنابل غير موجهة تُلقى جوا على مناطق مأهولة بالسكان.

وأضافت “ينبغي للدول الأخرى أن تحذو حذو “الاتحاد الأوروبي” في فرض عقوبات على قيادة القوات الجوية السودانية جرّاء هذه الهجمات، وينبغي للسودان ضمان وصول المراقبين، بمن فيهم أولئك التابعون لـ ‘المحكمة الجنائية الدولية” و”بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان”، للتحقيق في انتهاكات جميع الأطراف المتحاربة، ووينبغي للحكومات ضمان الدعم السياسي والمالي اللازم للتحقيقات الجارية.

المدنيون ووطأة الحرب وتوثيق هجمات

وقال غالوبان: “ما يزال المدنيون يتحملون وطأة حرب السودان المدمرة المستمرة منذ عامين رغم التعبيرات الدولية عن القلق، على الدول الأخرى اتخاذ إجراءات متضافرة لحماية المدنيين ومنع المزيد من الهجمات العشوائية من خلال التحقيق في أفعال المسؤولين من جميع الأطراف ومعاقبتهم”.

وأكدت هيومن رايتس ووتش أنها وثّقت ومنظمات أخرى هجمات جوية عشوائية شنها الجيش السوداني على مناطق مأهولة بالسكان باستخدام قنابل غير موجهة أُلقيت من طائرات شحن تحلق على ارتفاعات كبيرة. في الحرب الحالية، التي اندلعت في أبريل 2023، وأدت غارات جوية عديدة شنتها القوات المسلحة السودانية على المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في السودان إلى مقتل وإصابة عدد لا يُحصى من المدنيين.

 ” الدعم السريع” يستخدم مطار نيالا للطائرات المسيرة

وتابع التقرير أن حملة الغارات الجوية المكثفة التي شنّها الجيش السوداني على نيالا تزامنت مع تقارير تفيد بأن قوات الدعم السريع بدأت باستخدام مطار نيالا كقاعدة للطائرات المسيّرة، وأن طائرات شحن كبيرة كانت تهبط فيه.

ورأت المنظمة أن استخدام قوات الدعم السريع المطار لأغراض عسكرية يجعله من الأعيان العسكرية وهدفا مشروعا. ولفتت المنظمة إلى أن وسائل إعلام محلية  أفادت أن قوات الدعم السريع في نيالا نفذت حملات اعتقالات واسعة بحق أشخاص يُشتبه في تقديمهم إحداثيات الغارات الجوية للجيش السوداني في أوائل ديسمبر، ومرة ​​أخرى في أواخر يناير.

 هجمات متوافقة مع قوانين الحرب

وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات الموجهة ضد مقاتلي قوات الدعم السريع والأهداف العسكرية كالمطار متوافقة مع قوانين الحرب طالما أنها لا تُلحق بالمدنيين أضرارا عشوائية أو غير متناسبة.

وأضافت أن القانون الإنساني الدولي لا  يحظر الهجمات على المناطق الحضرية في حال وجود أهداف عسكرية، ولكن الهجمات الموجهة ضد المدنيين أو الأعيان المدنية، أو التي تُسبب أضرارا عشوائية أو غير متناسبة بالمدنيين، محظورة دائما، وقد تُشكل جرائم حرب إذا نُفذت بالنية الإجرامية المطلوبة لاستيفاء هذا الشرط.

مسؤولية الأطراف المتحاربة في المناطق الحضرية

قال تقرير المنظمة: إن  وجود العديد من المدنيين في المناطق الحضرية يُلقي بمسؤوليات أكبر على الأطراف المتحاربة لاتخاذ خطوات لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، وينبغي للأطراف المهاجِمة السعي إلى إلغاء الهجوم أو تعليقه إذا قررت أن الهدف ليس عسكريا أو سيُلحق بالمدنيين أضرارا عشوائية أو غير متناسبة.

غارات على نيالا وطبيعة الاصابات

وقال التقرير إن نيالا  شهدت غارات يومية بين 31 يناير و5 فبراير 2025. وصرّح موظف طبي في مستشفى نيالا التعليمي بأن الغارات الجوية استهدفت مركز المدينة لثلاثة أيام متتالية في 2 و3 و4 فبراير.

في 3 فبرايرسُجِّلت خمس غارات جوية على الأقل بفاصل زمني قدره 40 دقيقة. أصابت الغارة الأولى شارع الكونغو، وهو جادة رئيسية في المدينة، قرب مستشفى نيالا التعليمي، ثم أصابت غارتان منازل في حي الجمهورية. أصابت غارة رابعة طريقا شمال دار السينما مباشرة، وغارة خامسة متجرا للبقالة قرب مستشفى مكة للعيون، على أطراف حي السينما.

في غضون 10 دقائق من الغارة الأولى في 3 فبراير ، بدأ الجرحى بالتوافد إلى قسم الطوارئ في مستشفى نيالا التعليمي، بحسب أحد الموظفين الطبيين. “بينما كنا نعالج الجرحى، سقطت قنبلة أخرى. كنا نعالج الجرحى، وفي الوقت نفسه كنا خائفين”.

أضاف :كان بعضهم مصابا بجروح بليغة، وبعضهم بترت أطرافه، والبعض أصيب بجروح بليغة في الرأس أو البطن، في حين كان لدى البعض كسور في الأطراف العلوية أو السفلية. … توفي اثنان في مركزنا؛ الأول، في سن 18 عاما، كانت لديه صدمة في الرأس، والثاني، في سن 30 عاما، كانت لديه نتيجة إصابات متعددة – بتر في القدم وكسر في الذراع اليمنى.

قال الموظف في الكادر الطبي إنه تم نقل 15 أو 16 مصابا إلى المستشفى في ذلك اليوم، ونحو 50 ضحية خلال هذه الأيام الثلاثة. نقل تسعة مصابين بالغين، بينهم امرأتان، إلى المستشفى عصر يوم 2 فبراير ، مصابين بحروق وكسور، وأحدهم قدمه مبتورة. في 4 فبرايرنُقل 21 جريحا إلى المستشفى: توفي اثنان هناك، وتوفيت امرأتان بعد نقلهما من المستشفى، وفقا لأعضار الكادر الطبي.

أفاد موظفان طبيان بأن جميع الضحايا الذين نُقلوا إلى المستشفى كانوا مدنيين، وقالا إن قوات الدعم السريع استخدمت مواقع أخرى لعلاج مقاتليها المصابين.

أول قنبلة  على شارع الكونغو

أفاد ثلاثة شهود عيان بأن أول قنبلة سقطت على نيالا في 3 فبراير سقطت على شارع الكونغو، قرب مستشفى النور الخيري للعيون وشركة “زين” للهاتف المحمول، على بُعد حوالي 200 متر من مستشفى نيالا التعليمي. وأسفر الانفجار عن مقتل عدد غير محدد من المدنيين.

كان عامل يومي من الحي قد غادر منزله لتوه مع شقيقته البالغة من العمر 40 عاما، وابن أخيه، وهو في العشرينيات من عمره، عندما لاحظوا طائرة تحلق في السماء. قال إنه لم يلاحظ أي وجود لقوات الدعم السريع قبل الغارة:

كنت على بُعد 10 أمتار فقط من منزلي عندما رأيت الطائرة، وبدأ الناس يركضون في كل مكان مذعورين، وقالوا: هناك طائرة، طائرة قادمة! كانت طائرة بيضاء تحلق على ارتفاع عالٍ جدا، وكان الصوت هائلا، كان ثمة حشد من الناس [في الشارع]، منهم من هو ذاهب إلى عمله، أو يقطع الطريق فحسب، أو يتوجه إلى مكان ما، كان هناك بعض الذعر ولم يعرف الناس هل يبقون في الخارج أم يحاولون الاختباء، بدأ الجميع بالركض. ثم قلت لأختي إن علينا الاختباء. كنت متقدما قليلا عن [أختي وابن أخي] عندما وقعت الغارة وأودت بحياتهما.

قال العامل إن أخته وابن أخيه “تقطعوا حرفيا”، بينما أصيبت ساقه.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنها تحققت  من فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في 3 فبراير ، وحددت موقعه الجغرافي، ويُظهر عمود كبيرا من الغبار والدخان من موقع الضربة. كما تحققت هيومن رايتس ووتش من ستة صور فوتوغرافية التقطها أحد سكان نيالا، وحددت موقعها الجغرافي، تُظهر مبنيَيْن متضررَيْن عند زاوية الطريق. تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 5 مارس أضرارا لحقت بالمبنيين.

غارة بالقرب من مستشفى مكة للعيون

بعد ظهر يوم 3 فبراير سقطت قنبلة على متجر بقالة على بُعد أقل من 30 متر شرق مستشفى مكة للعيون. تحدثت هيومن رايتس ووتش مع ستة شهود وناجين أكدوا مقتل 13 مدنيا على الأقل وإصابة 16 آخرين. كما قُتل ثلاثة مقاتلين من قوات الدعم السريع يرتدون الزي العسكري كانوا يشربون الشاي في الشارع، وفقا لأحد الشهود. وقال شهود إن الغارة وقعت بعد الغارة التي أصابت شارع الكونغو.

قال طبيب كان يعمل داخل المستشفى آنذاك: “قبل الانفجار الأول، سمعنا صوت طائرة. عندما سمعنا الانفجار [الأول]، طلبنا من الناس الخروج. ثم وقع الانفجار الثاني بعد دقائق من الأول”.

قالت امرأة نجت من الغارة إن الطائرة التي سمعوها وشاهدوها كانت بيضاء اللون.

قبل الغارة، كان ثمة “أشخاص كُثر يتنقلون هنا وهناك” في الشارع القريب من المستشفى، كما قال موظف في متجر كان ينهي يوم عمله عندما سقطت القنبلة. “كان الناس يتحركون. وكان آخرون يدخلون ويخرجون من المستشفى”. قال شاهد آخر إنه كان ثمة أشخاص كُثر يشربون القهوة في مقهى قرب المستشفى، وإن الشارع كان مزدحما بشكل خاص بالمركبات المدنية.

 رعب وسط المواطنين

بعد الغارة الجوية الأولى على شارع الكونغو، قالت امرأة تعمل كعاملة يومية: “كان الناس مرعوبين. بدأوا بالخروج إلى الشارع لمعرفة ما يحدث. كان بعضهم يركض في الشارع محاولا الاحتماء من الهجوم. كان هناك الكثير من الناس في الخارج، كان الناس يركبون عربات التوكتوك ويركضون في كل مكان”.

أصابت الغارة متجر بقالة، فدمرته، وألحقت أضرارا بمبانٍ أخرى ومركبة واحدة على الأقل. وتحققت هيومن رايتس ووتش من فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في 3 فبراير في موقع الغارة، وحددت موقعه الجغرافي، ويُظهر مبنى مدمرا إلى حد كبير. كانت توجد سيارة “تويوتا لاند كروزر” بيضاء متوقفة في الطريق، متضررة بشدة، كما تضررت واجهة مستشفى مكة للعيون بشكل يمكن ملاحظته، وكذلك المباني على جانبَيْ الطريق. ويمكن رؤية أضرار مماثلة في صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 5 مارس.

وصف بعد غارة

وصف رجل وصل بعد الغارة المشهد قائلا: دُمر المكان بالكامل وتضرر جراء الغارة الجوية. قُتل عديدون، إحداهن سيدة [مسنة].. وركاب سيارة تويوتا، وعابرون. كان ثمة أكثر من 35 قتيل وجريح، جميعهم مدنيون..الجثث متناثرة.. سألتُ من كانوا هناك: “هل يوجد عناصر من الدعم السريع، أو أشخاص يرتدون الزي العسكري؟” قالوا لا.

كان موظف المتجر برفقة ثلاثة من أقاربه في ذلك الوقت. أسفرت الغارة عن مقتل ابن عمه، وعمره 32 عاما، الذي تمزق جسده، وإصابة الاثنين الآخرين بجروح بالغة. قال إنه رأى ستة مدنيين آخرين مقتولين، بالإضافة إلى ستة جرحى في السوبر ماركت المحلي. أصيب في الرأس والصدر والذراع. كان ثمة شظايا معدنية عالقة في صدره أثناء المقابلة لعدم قدرته على تحمل تكاليف الجراحة.

قالت المرأة التي تعمل عاملة مؤقتة إن الغارة قتلت على الفور البالغة من العمر 39 عاما، وأصابتها بجروح بالغة في ذراعها اليسرى وبطنها، وأصابت شقيقها البالغ من العمر 14 عاما في ركبته، وعمها، وهو في أواخر الثلاثينيات من عمره، في رأسه وظهره وكاحله. قالت إن زميلة لوالدتها، كانت عاملة نظافة، قُتلت على الفور وبُتر ذراعاها.

بائعة الشاي بين الضحايا

جاء في التقرير : قُتل ثلاثة رجال يعملون في محل عصائر على الفور، بالإضافة إلى امرأة في أوائل العشرينيات من عمرها تُعرف باسم مشتهى، كانت بائعة شاي.

شاهدت امرأة أخرى كانت في الشارع جثة بائعة الشاي، إلى جانب جثتي رجلين قُتلا في سيارة، وجثث ثلاثة مقاتلين من الدعم السريع يرتدون الزي العسكري كانوا يشربون الشاي وقت الغارة. قالت إنها أُصيبت في ثديها الأيمن، ولا تستطيع تحمل تكاليف الجراحة. قالت في أوائل أبريل/نيسان: “ما زلت أنزف، والإصابة لم تلتئم، وتؤثر على حياتي بشدة”.

قال طبيب إنه رأى أربعة أشخاص يلقون مصرعهم فورا، وساعد في نقل ثلاثة مصابين. قال عامل في منظمة غير حكومية إنه كان في مكتبه في الحي عندما أصابت الغارة زميله وأصابته في ساقه. كما تحدثت هيومن رايتس ووتش مع عامل في منتصف العمر قال إنه أُصيب في الفك أثناء الغارة. قالت إحدى الناجيات إن قوات الدعم السريع وصلت إلى الموقع بعد الغارة لجمع جثث جميع الضحايا وتقديم الإسعافات الأولية إلى المصابين.

راجعت هيومن رايتس ووتش صورا لبقايا القنبلة، تلقتها من أحد سكان نيالا في 20 فبراير ، وحددت أن زعنفة الذيل تعود لقنبلة من طراز أوفاب-250 ملقاة جوا.

غارتان على حي الجمهورية

قال أربعة شهود إن وحدتَيْ ذخيرة متفجرتين على الأقل سقطتا في منطقة سكنية بغالبيتها في وسط حي الجمهورية في 3 فبراير ، ما أسفر عن مقتل 13 شخصا على الأقل، بينهم ستة بالغين وسبعة أطفال. تُظهر صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في 3 فبراير ، وحددت هيومن رايتس ووتش موقعها الجغرافي، أضرارا جسيمة لحقت بمجمعَيْن سكنيَّيْن. كما تؤكد صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 5 مارس هذا الدمار.

سقطت ذخيرة متفجرة على منازل، ما أسفر عن مقتل صبي عمره ثماني سنوات، وفتاة عمرها ست سنوات، وإصابة مدنيَّيْن اثنين آخرين على الأقل، بحسب ما قال رجل كان جارا للطفلين اللذين لقيا حتفهما، كما تضرر منزله بشدة وأصيب أقاربه في الغارة.

روايات شهود عيان

قال ثلاثة شهود عيان إن 12 شخصا على الأقل قُتلوا في غارة أخرى قرب منازل في حي الجمهورية. قال رجل:

بعد الغارة الأولى قرب مستشفى نيالا التعليمي، رأينا الكثير من الغبار في الهواء. لذلك عرفنا… كنت أركض نحو منزلنا… كنت بالخارج في الشارع. رأيت أطفالا يجلبون الماء. في تلك اللحظة، كانت الطائرة متجهة شمالا. في نفس الوقت كنت أنظر إلى الطائرة،  استدارت الطائرة وقصفت قرب المنزل… في منتصف الشارع… أصابت الشظايا الأطفال بشدة… عندما تفقدت الأطفال، رأيت أشلاءهم.

قُتلت في الهجوم شقيقة الرجل، التي كانت في منتصف العشرينيات من عمرها، وابنه البالغ من العمر 20 عاما.

قالت صاحبة مطعم في الحي نجت من الغارة نفسها، لكن قتلت ابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات، إن الطائرة كانت تحلق لفترة من الوقت عندما قررت، بدافع القلق، إغلاق متجرها لهذا اليوم واستعدت للمغادرة، ثم سقطت القنبلة:

عندما وقعت الغارة، كنت على الأرض، وكنت خائفة للغاية. نطقت بالشهادتين، ثم شعرت بشيء يحترق في جلدي وبدأت أرى نزيفا. نظرت إلى متجري ورأيته مدمرا. كان صبي يُدعى مهند، ابن جاري.. يصرخ. انهار المتجر وكان ثمة أشخاص في الداخل. بدأتُ بالصراخ ليساعدني الناس. لم يأتِ أحد. لم يستجب أحد لصراخي.

قُتل مهند.. كان عمره 14 عاما تقريبا. وشقيقه محمد..قُتل أيضا.. كان في الثامنة تقريبا. قُتل هذان الطفلان مع ابنتي.. كانت في الثامنة.. وأصيب أطفالي الأربعة (الآخرون).

كان جارها في السوق عندما وقعت الغارة، وعندما عاد، وجد زوجته وأطفاله الثلاثة قتلى. قال: “عندما عدنا، وجدنا عائلتي على الأرض وقد تمزقوا أشلاءً. كان ثمة 10 أشخاص حول المنزل، وقد قُتلوا أيضا”.

قال شاهدان إن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا يذهبون أحيانا إلى منشأة قريبة من موقع الغارة. وقال إن مقاتلي قوات الدعم السريع وصلوا بعد الغارة في سيارة برفقة مدنيين، وجمعوا الجثث ونقلوها إلى المستشفى.

غارة شمال صينية (دوار) السينما

سقطت قنبلة على الطريق شمال دوار السينما وشمال غرب مستشفى مكة للعيون، بعد ظهر يوم 3 فبراير. وقال شاهد عيان مرّ بموقع الغارة بعد وقت قصير من وقوعها إنه سمع بمقتل أربعة أشخاص في عربة توكتوك واثنين في سيارة. ويُظهر فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في 3 فبراير.

وحددت هيومن رايتس ووتش موقعه الجغرافي، آثار الغارة مباشرة. تظهر ثلاث جثث، بينها امرأة واحدة على الأقل، ملقاة في الشارع، بالإضافة إلى عربة توكتوك مدمرة ما تزال مشتعلة. ويُظهِر رجلان يرتديان ملابس عسكرية جثث الضحايا للشخص الذي يصور.

راجعت هيومن رايتس ووتش صورا التقطها أحد سكان نيالا في 25 مارس ، وقياسات لبقايا الذخيرة التي عُثر عليها في الموقع، وخلصت إلى أن البقايا كانت من قنبلة من طراز سلسلة “فاب” متعددة الأغراض أُلقيت جوا.

تُظهر الصور التي قدمها أحد سكان نيالا حفرةً ناجمة عن ارتطام جسم بالطريق، وسيارتين مدمرتين – سيارة ومركبة أصغر – ومبانٍ متضررة على جانب الطريق. كما يُمكن رؤية المباني المدمرة في صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 5 مارس/آذار.

حددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي لفيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في 3 فبراير ، يُظهر سحابة كثيفة من الدخان والغبار تتصاعد من موقع الغارة. (صُوّر فيديو من مبنى يبعد 120 مترا غرب موقع الغارة. ويظهر رجل يرتدي زي قوات الدعم السريع عند مدخل المبنى الذي صُوّر منه الفيديو.)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *