
محمد المكي أحمد:
أسفرت القمة الأميركية القطرية التي شهدتها الدوحة اليوم 14 مايو 2025 عن توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على “إعلان مشترك للتعاون بين حكومة دولة قطر وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأفاد “البيت الأبيض” في بيان تلقيت نسخة منه أن ترامب وقع اتفاقية تعاون اقتصادي مع قطر بقيمة تزيد عن تريليون دولار، وأكد أنها ستعزز التبادل الاقتصادي بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار.
وقالت الخارجية الأميركية “من قلب الدوحة، أعلن الرئيس ترامب عن التزام اقتصادي ضخم بقيمة 1.2 تريليون دولار بين الولايات المتحدة وقطر” واضافت ان ” أمريكا وشركاؤها في الخليج يطلقون مرحلة جديدة من التعاون تُمهّد لازدهار مشترك، واستقرار طويل الأمد.”.
وأضاف “البيت الأبيض ” أن الرئيس ترامب أعلن عن صفقات اقتصادية تجاوز مجموعها 243.5 مليار دولار بين واشنطن والدوحة ويشمل ذلك ما وصف بـ “صفقة تاريخية لبيع طائرات بوينغ ومحركات “جنرال إلكتريك” للطيران إلى الخطوط الجوية القطرية.
صفقة طائرات
من جهته نوه ترمب بتوقيع قطر على صفقة شراء 160 طائرة بوينغ بقيمة تبلغ اكثر من 200 مليار دولار.
وكانت الدوحة أعلنت أن مسؤولين من الجانبين الأميركي والقطري وقعوا بحضور ترمب وتميم اتفاقية لشراء طائرات من شركة بوينغ، وبيان نوايا للتعاون الدفاعي، وخطاب العرض والقبول لطائرات بدون طيار MQ-9B، وخطاب العرض والقبول لنظام مضادات الطائرات بدون طيار FS-LIDS، كما تم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين
طلبية تاريخية لـ”بوينغ ” و”جنرال اليكتريك”
وذكر البيت الابيض أن هذه الصفقات ستؤدي إلى دفع عجلة الابتكار والازدهار لأجيال، وتعزيز الريادة الصناعية والتكنولوجية الأمريكية، ووضع أمريكا على طريق عصر ذهبي جديد.
وكشف البيت الأبيض” بعض الصفقات الرائدة العديدة التي أُبرمت في قطر”، مشيرا إلى أن “بوينغ” و”جنرال إلكتريك” للطيران حصلت على طلبية تاريخية من الخطوط الجوية القطرية، وهي اتفاقية بقيمة 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات “بوينغ 787 دريملاينر” و”777X” أمريكية الصنع تعمل بمحركات “جنرال إلكتريك للطيران”. ووصف البيت الأبيض هذه الصفقة بأنها ” أكبر طلبية طائرات لشركة بوينغ على الإطلاق، وأكبر طلبية لطائرات “787” على الإطلاق، وستدعم هذه الاتفاقية التاريخية 154,000 وظيفة أمريكية سنويا، بإجمالي أكثر من مليون وظيفة في الولايات المتحدة خلال فترة الإنتاج والتسليم”.
تعاون استثماري وعسكري وأمني
وعقد ترمب وتميم جلسة مباحثات وصفها أمير قطر بـ” التاريخية لكونها زيارة الدولة الأولى لرئيس للولايات المتحدة الأمريكية إلى الدوحة، مشيرا إلى أن أجندة المباحثات ناقشت ملفات عدة ، لاسيما في مجالات الاستثمار والطاقة والتعاون العسكري والأمني.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن الأمير شدد على أهمية إحلال السلام في المنطقة، وأنه نوه بما يبذله ترمب من جهود لإحلال السلام في المنطقة، ووصفه بأنه “رجل السلام”.
وذُكر في الدوحة أن ترمب أشاد في جلسة المباحثات بعمق العلاقات الودية الطويلة التي تجمعه مع الأمير منذ أول لقاء جمعهما، وأنه أعرب عن تطلعه إلى العمل مع تميم وبأعلى القدرات لإحلال السلام في المنطقة وعبر العالم، كما عبّر عن بالغ شكره للأمير على كل ما يقوم به من قيادة وما يجمعهما من صداقة متبادلة.
وأعلنت قطر أن جلسة المباحثات تناولت “علاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات، لاسيما في مجالات الدفاع، والاقتصاد، والاستثمار، والطاقة، والتعليم، والأمن السيبراني، والجهود المشتركة لتعزيز الأمن والسلام الدوليين، كما جرى مناقشة عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، لاسيما تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط”.
لماذا الارتياح القطري الأميركي المتبادل؟
لوحظ أن زيارة ترمب للدوحة عسكت ارتياحا أميركيا وقطريا متبادلا، وبدا ارتياح أمير واضحا أثناء لقائه ترمب ، ويعود هذا لأساب عدة ، في صداراتها أن رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم نوه بادوار الشيخ تميم في مساعدة أميركا بشأن ملفات عدة، وأنه أشاد بتميم وأدواره الايجابية اشادة لافتة .
قطر لعبت أدوارا مهمة أدت إلى أطلاق سراح أميركيين كانوا محتجزين على سبيل المثال في أفغانستان ، كما ساهمت بدور حيوي في اطلاق أسرى اسرائيليين احتجزتهم ( حماس) وتواصل الدوحة حاليا جهودا مستمرة في سبيل وقف إطلاق النار في غزة بشكل دائم بالتعاون مع مصر وأميركا، بهدف إغلاق ملف الأسرى الاسرائيليين والتوصل لحل دائم لأزمة غزة وأحلال سلام دائم في المنطقة
معلوم أن قطر هي حليف رئيسي لاميركا من خارج حلف (ناتو) وانها تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، ولديها استثمارات ضخمة في أميركا، وتتمتع بثروات طبيعية مهمة في صدارتها الغاز الطبيعي، وفضلا عن ذلك تشهد اصلاحات سياسية واقتصادية منذ سنوات .
سياسة ودبلوماسية قطر تتميز بقدرتها الفائقة على صناعة مبادرات وساطة تهدف لاطفاء حرائق في مواقع عدة في المنطقة والعالم، وجاءت وساطتها الحالية ، في سبيل اطلاق اسرى اسرائيليين احتجزتهم ( حماس) والسعي لوقف الحرب الاسرائيلية الوحشية على غزة، لتشكل دليلا على حيوية الدور القطري، وهو دور يجلب عليها أحيانا ضغوطا وانتقادات لكن المنصفين في العالم يقدرون هذا الدور الانساني، وهاهو ترمب يعترف في تصريحاته وبشفافية تامة بحيوية و أهمية هذا الدور.
يمكن القول في هذا الإطار ان موقف ترمب اليوم يختلف اختلافا جذريا عن مواقفه تجاه قطر خلال فترة رئاسته الأولى، وكأنه اكتشف قطر اليوم ، وكانت مؤسسات أميركية ساهمت في تعديل وتغيير مواقفه تجاه الدوحة ،وكان ساهم في إذكاء نيران الخلاف والفتنة بين دول خليجية والدوحة ، لكن قادة دول المنطقة ومصر وضعوا حدا لمرحلة خصام كانت هي الأسوأ في تاريخ المنطقة ( مرحلة الحصار والمقاطعة) ، واليوم عادت العلاقات وتطورت وتعززت الأواصر، وهاهي العلاقة السعودية القطرية تُمثل اليوم ، وعلى سبيل المثال، النموذج الناصع والأكثر اشراقا لعلاقات تقوم على ركائز الاحترام المتبادل بين القيادتين ، والتعاون والتنسيق والمصالح المشتركة .
قناة تواصل بين أميركا و( حماس)
وهاهو نجاح قطر في فتح قناة تواصل بين أميركا وحركة ( حماس) قبل أيام يشكل أبرز اختراق وتطور من نوعه، ما أدى إلى أطلاق سراح الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، ما دفع الادارة الأميركية للاشادة بالدور القطري في هذا الشأن..
واذا كان ترمب تجنب الحديث عن ملف غزة والحرب الاسرائيلية ، ولم يكشف عن خطته في هذا الشأن ، فقد أكدت مصادر مطلعة لموقع ( إطلالة) أن ألأزمة في غزة والوضع الانساني وضرورة التوصل لوقف اطلاق النار والافراج عن أسرى اسرائيليين كان في صدارة القضايا التي جرى بحثها في الدوحة ، وتتوقع المصادر أن تظهر نتائج مباحثات ترمب وتميم بشأن ملف غزة خلال أيام.
ترمب: تميم رجل استثنائي ورائع
كان لافتا في إطار تفاعلات اجتماعات ترمب في الدوحة أنه وصف الأمير تميم بأنه ” رجل استثنائي عظيم و مؤهل ورائع ” وقال للأمير “كنا أصدقاء لمدة طويلة ، أشكرك على صداقتك، والعمل الذي قمت به رائع” وأضاف ” أحببنا بعضنا البعض وعملنا لاحلال السلام في هذه المنطقة وعبر العالم”.
وقال ” أنتم تساعدونا لتحقيق السلام في المنطقة ومناطق اخرى مثلما يحدث في روسيا واوكرانيا”
وكرر ” شكرا لك على الصداقة القديمة التاريخية ، علاقتنا مميزة جدا، وفي السعودية لدينا شخص رائع، هو صديق رائع وانتما تحبان بعضكما البعض” وهو يعني ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
“شابان طويلان ووسيمان”
ووصف الرئيس الأميركي تميم ومحمد بن سلمان بأنهما ” شابان طويلان ووسيمان” كما أبدى اعجابه بالرخام الأبيض في الديون الأميري القطري، وقال أنه لم يستطع أن يشتريه !.
تميم: اجتماع رائع مع ترمب
من جهته قال الشيخ تميم أنه عقد اجتماعا رائعا مع ترمب لمدة ساعتين، وناقش معه عددا من القضايا ” وبينها قضايا المنطقة ، ووصف العلاقات بين البلدين بأنها ” ممتازة”
وكانت قطر طوقت الرئيس الأميركي بحفاوة ، وأطلت مظاهرها في الأجواء قبل أن تحط طائرته على مطار الدوحة الدولي، إذ رافق سرب مقاتلات من سلاج الجو القطري طائرة ترمب فور دخولها المجال الجوي القطري.
ونُشر في الدوحة أنه جرى إطلاقُ 21 طلقة مدفعية ترحيبًا بترمب ، وتم أداء العرضة ( رقص شعبي) ، أمام الديوان الأميري، وشاركت “فرقُ الخيَّالة التي تضمُ خيولًا عربية أصيلة، والإبل التي ترمز للبيئة القطرية والتراث الوطني الأصيل.” .
الشيخة جواهر تسجل حضورا
ومن غرف المباحثات المغلقة انتقل ترمب إلى قصر لوسيل، حيث أقام تميم حفل استقبال وعشاء شارك فيه الوفدالأميركي ومسؤولون قطريون ودبلوماسيون وحشد من المدعووين .
وشوهد ترمب بجوار تميم يستقبلان المدعووين، وفي مؤشر إلى مكانة المرأة لدى القيادة القطرية، وفي مجتمع يوازن في هذه المرحلة بين الأصالة والمعاصرة ،وقفت زوج الأمير الشيخة جواهر بنت حمد بن سحيم آل ثاني إلى جوار تميم واستقبلت معه الضيوف، وهم حشد من الرجال والنساء..
أشير إلى أن الشيخة جواهر درجت على المشاركة في مناسبات عدة، إذ تعيش قطر منذ سنوات مناخ انفتاح اجتماعي رصين يُتيح لحواء القطرية المشاركة في مختلف مواقع العمل، كما تشارك في مناسبات اجتماعية وسياسية .
ترمب يطلب مساعدة قطر بشأن الملف الايراني
في حفل الاستقبال رحب الأمير تميم بالرئيس ترمب ، ونوه بالعلاقات بين البلدين، أما الرئيس الأميركي فوصف ” الأمسية ” بأنها “رائعة” وأبدى اعجابة بـ ” قصر لوسيل” وهو قصر تميم، وقال “هذا قصر مهيب لم أر مثيلا له في العالم”، وكرر اشادته بأمير قطر ، وقال إنه ” رجل عظيم” وأن ما تحقق في قطر بفضل جهوده.، وأنه ( تميم) هو من جعل هذا البلد يفخر بما أنجز”
و أشاد أيضا بـ”الجهود الحثيثة ” لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ، وقال ترمب ” أتشرف بأني الرئيس الأميركي ( الأول) الذي يزور بلدكم “.
وبينما أكد سعيه للتوصل لاتفاق مع إيران قال إنه يتطلع لمساعدة قطر في هذا الشأن.