
محمد المكي أحمد:
في يوم الجمعة ٨ فبراير ٢٠١٩ (قبل سقوط البشير بشهرين) تحدثت الى (بي بي سي) عن اغتيال المعلم احمد الخير، قلت ان نظام عمر البشير قمعي ويمارس القتل والتعذيب منذ سنوات، وان الرئيس (المخلوع) أعطى الضوء الأخضر للقتل اثناء اجتماعه بقادة الشرطة،اذ فسر الآية القرآنية (ولكم في القصاص حياة) التفسير الذي يناسبه وقال انها تعني الإعدام والقتل .
تحدثت عن تطورات الحراك الشعبي مشيرا الى ان التظاهر وصل الى السوق العربي في قلب الخرطوم وان ذلك شكل نقطة تحول في مسار الحراك، لافتا الى دور تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير في هذا الشأن،واكدت ان الشعب حدد هدفه وهو تنحية البشير ، كما تحدثت عن قانون النظام العام .
وفي سياق حدث اليوم ( ٣٠ ديسمبر ٢٠١٩)، وهو صدور الحكم في قضية اغتيال المعلم احمد الخير أقول ان الحكم الذي أصدرته محكمة مدنية قضت بإعدام عدد من منسوبي جهاز المخابرات في السودان، الذين شاركوا في عملية القتل البشعة للمعلم، يشكل حدثًا تاريخيًا يحمل دلالات عدة .
أولى الدلالات وأهمها ان السودان دخل بالفعل مرحلة جديدة في تاريخه السياسي، عنوانها العدالة، وأن الجميع سواسية أمام القانون،وان لا حصانة للمجرمين، باختلاف مواقعهم ومسمياتهم.
ثانيا ان تمسك بنات وابناء السودان ، بحقوق المواطنة لجميع السودانيين كان ومازال يشكل أبرز قيم الثورة السودانية والمحرك الأول لشعارات (دم الشهيد دمي)و( أم الشهيد أمي) و(الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية).
تلاحم صفوف السودانيين حول قضية الشهيد أحمد الخير ترسل رسالة مهمة، مضمونها ان الشهيد مواطن سوداني قبل ان يكون عضوا في (حزب المؤتمر الشعبي) واعتقد بأن السودانيين ضربوا اروع الأمثلة في الاصطفاف من أجل القصاص من قتلة المعلم الثائر الذي اعتقل وهو يشارك في الحراك الذي اسقط الحكم الديكتاتوري البغيض.
ثالثًا : أرى أن البت في قضايا شهداء الثورة السودانية منذ وقوع انقلاب (الجبهة القومية الإسلامية) في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ الى اليوم ينبغي ان يشكل اولوية للحكومة الانتقالية الى جانب أولويتي السلام وإيقاف التدهور الاقتصادي .
محاكمة القتلة والمجرمين وسارقي قوت الشعب ومرتكبي جرائم التعذيب والقمع والتشريد يمثل مفتاح النجاح الأول للحكومة الانتقالية بل للثورة السودانية .
العدالة مهمة لبناء مجتمع آمن مستقر ، وهي تستنهض الهمم وتفتح دروب الإبداع وتداوي جراحا غائرة في قلوب الملايين من السودانيين.