
محمد المكي أحمد:
الأستاذ بابكر عيسى صحافي سوداني متميز، وعريق ، ومبدع، ورصين، وهو من الوجوه والعقول التي ينبغي ان يستفاد من خبراتها في السودان الجديد.
وصفته في العام ٢٠١٧ ،في خبر نشرته في صحيفة (التحرير) الإلكترونية عندما كنت رئيسا للتحرير بأنه (من جيل الصحافيين السودانيين المخضرمين).
تمنيت أنذاك بعدما كان أجرى عملية جراحة ناجحة أن (يعود إلى قلمه، ليكتب مذكراته ومشاهداته عن أحداث مهمة عاصرها في الخليج والسودان وخلال زيارته إلى عدد من دول العالم).
بابكر عاد أمس (١٥ مارس ٢٠٢٠)ليكتب في (الراية) القطرية،وكان عمل مديرًا للتحرير في تلك الصحيفة لنحو ثلاثين عامًا ثم مستشار ا للتحرير .
جاءت إطلالته الأولى بعنوان (العودة الى بلاط صاحبة الجلالة ).
أسعدتني الإطلالة وعودة بابكر الى محبوبته (الراية) فكتبت اليه هذه الرسالة المفتوحة.
رسالة الى بابكر عيسى..
الزميل والإنسان
الزميل الكبير والأخ والصديق العزيز (ابو عيسى)
حروفك النابعة من دواخلك الخضراء في (الراية الغراء ) اليوم(١٥ مارس ٢٠٢٠) اثارت في قلبي سعادة لا توصف،وأعادت الى الذهن مشاهد مشاهدات لا تنسى ،حيث رأيتك على مدى سنوات طويلة، صعبة ، تسهر الليالي وتنام مع تباشير الصباح ، بعدما تكون الصحيفة قد شقت طريقها الى المطبعة.
عرفتك مهنيا وصاحب قلم بديع وقادر على تطويع الحرف ليرسم لوحات جميلة ومشاهد اروع، لانك مبدع وخبير وصاحب عطاء ثر و خلاق في تاريخ الصحافة القطرية والسودانية، التي قدمت لها عصارة دمك وعنفوان شبابك وروعة وجدانك، فصرت من ابرز روادها وفرسانها وعشاق بلاطها الجميل والمرهق ، الذي سرق و يسرق أحلى سنوات الشباب والعمر و يحرم الصحافي العاشق لمهنته من احضان أهله ودفء أحبابه الأقربين في مقتبل العمر .
اجدد التأكيد ان إطلالتك البهية غمرتني بإحساس جميل يصعب وصفه، لانني كنت اخشى ان يتوارى نبضك الصحافي الرائع وتحرمنا من فيض فكرك وذكرياتك وجاذبية بوحك وتميز حروفك المشحونة بعصارة الخبرة وقيم المحبة والوفاء النادر للأرض والإنسان،في السودان وقطر وكل مكان.
شكرا جزيلا ومن الأعماق لمن دعاك أو دعوك لاستئناف رحلة البوح الجميل عبر محبوبتك (الراية).
الصحافي المهني المبدع(كالمعلم والطبيب والدبلوماسي والقانوني والمهندس والباحث والشاعر وكل المبدعين) هؤلاء لا يتقاعدون بعد بلوغ سن الستين أو السبعين وما فوق ذلك (كما أرى) .
الصحافي المهني المبدع فوق حسابات ومقاييس التقاعد النمطية الفاشلة في سبر غور العقول والتعلم من دروس الخبرة ، بل يزداد عطاؤه عمقا وتنضح رؤاه بعصارة التجربة الصحافية التي تكتسب تميزها من عناقها وتلاحمها مع نبض الشعوب وأشواقها وتطلعاتها المشروعة.
بابكر كان وما زال منحازًا لنبض شعبنا السوداني العظيم وله كتابات موثقة في هذا الشأن ربما لم يطلع عليها جيل اليوم ، كما أن في قلبه محبة لقطر وأهلها،وقد قدم الكثير من العطاء للصحافة القطرية ،وهذا يستحق لمسات وفاء وعرفان وتكريم.
(ابو عيسى) دمت اخا وزميلًا وصديقًا عزيزًا نفخر بعطائه وتمثيله للوطن السودان وإنسانه النبيل أروع تمثيل وحضور حيوي .
عشت رائدًا من ابرز رواد الصحافة القطرية والسودانية في عصرها القديم وزمانها الجديد.
تحياتي ومحبتي
أخوك محمد المكي أحمد
لندن – ١٥ مارس ٢٠٢٠
وهنا مقال العودة :
العودة إلى بلاط صاحبة الجلالة
توهمت انني قد نسيت الكتابة يعد إنقطاع دام لسنوات… و توهمت أن عبق الكلمات يحتاج إلى رائحة المكان… و المكان هو ذاته الذي واصلت فيه رحلتي الصحفية فى أرض قطر الطيبة منذ نحو أربعين عاما… و ها أنذا أعود لأبدأ من جديد
رحيق السنوات الماضية ما زال عالقا فى فمي و فى مساماتي… و بحثت عبر أوراقي القديمة وأكتشفت أنني سكبت حبرا كثيرا على الأوراق، و تحدثت عن حقائق و أفكار و رؤى، كما أنني سجلت رحلات صحفية عديدة عبر العالم، و تعلمت من مدرسة الراية الكثير و أنا أدين لها بأزهى سنوات عمري فمنذ أن كنت شابا يافغا و قلقا، و متدفقا نشاط و حيوية إلى أن علا الشيب أعلى الرأس و تساقطت السنوات من بين أيدينا مثلما يتساقط الرطب من أعلى أشجار النخيل..
كانت و مازالت الراية شجرة باسقه تطل كل صباح على قرائها برؤى جديدة و دماء شابة و توهج أتمنى أن لا ينطفئ و أن يبقى و يظل مرآة لواقع جديد يرصد مسيرة قطر الخير في جميع المجالات، و حائطا يتصدى لكل السهام الصدئة و افتراءات المرجفين و الخائفين و المذعورين من ظلالهم.
خلف الأوراق القديمة و السنوات المديدة اكتشفت أن عطر الكلمة لا يضيع و أن توهجها لا ينطفئ، و أن الذين تابعوا حروفنا مازالوا يذكرون ذلك الفتى أسمر الخطى الذي يدب في أروقة الراية تحيطه محبة الآخرين و وفاءهم لهذا الصرح العظيم الذي تعاقب عليه رجال أكفاء في مختلف المواقع، فكانوا عطاء ثرا و إرادة لا تلين و تطلع إلى مرام و آفاق بعيدة فى التنوير و الإستنارة.
أشهد أنني تعلمت الكثير في مدرسة الراية و هي الخيمة الخضراء التي إستظل بها الكثيرون و قدمت لقطر الخير و المحبة العديد من الأسماء التي تلألأت فى سماء الإعلام القطري
أعود و قد جرت مياة كثيرة أسفل الجسور، فالدوحة لم تعد الدوحة التي عرفناها مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ازدادت بهاء و توهجا بفضل إرادة الرجال الصادقين و القادرين على أن يقرنوا الفعل بالإرادة، فولدت دوحة جديدة يظلها البهاء و النقاء و الإرادة، تغيرت الوجوه في مختلف المواقع و ظل الرحيق الفواح يضئ المكان و يعطر الأجواء.
في أول مقال بعد العودة ماذا يمكن أن أقول، ومن أين يمكن أن أبدأ، فإيقاع الحياة متواصل بإندفاعة واثقة رغم التحديات ورغم كل الظروف القاهرة، و تبقى الإرادة هي العنوان.
عالمنا على اتساعه يشهد العديد من التحديات و الصعوبات و المشاكل… و فى كل صباح نصحو على عناوين جديدة و أحداث كبيرة و لكن إرادة الإنسان لاتنكسر و
رغبته الصادقة و الأبدية في التطور و الإرتقاء لا تحدها حدود…شكرا للذين دفعوني للعودة إلى بلاط صاحبة الجلالة بعد أن تقاعدت عن معانقة الحروف، فلهم الشكر و العرفان…….. و أتمنى أن تكون إطلالتي هذه إضافة جديدة ـ قديمة للراية الرائدة أبدا.
الدوحة
١٥ مارس ٢٠٢٠
بابكر عيسى احمد عيسى