أخبار وتقاريرأميركا

هل فشلت قمة ترمب – بوتين في ألاسكا؟

ماذا قال الرئيسان الأميركي والروسي عن اجتماعهما  ولماذا يتواصل ترمب مع قادة "ناتو" وأوروبا وزيلينسكي؟

محمد المكي أحمد:

لا عنوان نجاح محدد حققته قمة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير  بوتين التي عقدت  في ألاسكا في 15 أغسطس 2025 وسط اهتمام دولي غير مسبوق منذ سنوات عدة.

 لكن المؤكد وفقا لمؤشرات عدة، وأهمها عبارات المودة  المتبادلة بين ترمب وبوتين، أن  الرئيسين فتحا صفحة جديدة لعلاقات البلدين، وكسرا جليدا ساد علاقاتهما خصوصا خلال سنوات الحرب الروسية على أوكرانيا التي اندلعت  في 24 فبراير 2022 .

ترمب ويوتين لم يعلنا التوصل لأي اتفاق بشأن  أوكرانيا سوى تأكيدهما على نجاح الاجتماع خلال  المؤتمر الصحافي الذي لم تتح فيه للصحافيين أن يسألوا أي سؤال، رغم أن ترمب يحب الحديث للإعلاميين، والإدلاء بتصريحات  مثيرة للجدل والاهتمام.

 الرئيس الروسي الذي استهل الحديث في ” المؤتمر الصحافي”  قال إن ” المحادثات بناءة” وتوجه بالشكر لترمب مشيدا باقتراحه إجراء مفاوضات بينهما.

 ترمب رأى أن “الاجتماع ناجح ومثمر” و” كان جيدا جدا”و” توصلنا لاتفاق حول بعض النقاط ، وهناك نقاط سيتم بحثها  ونحن في طريقنا لحل معظم القضايا”، لكنه لم يوضح  نقاط الاتفاق او التقدم في المحادثات .

 بقراءة وجه الرئيس الروسي فقد بدا مرتاحا أكثر من ترمب الذي بدا شاحبا، ومتحفطا في تصريحاته، وحريصا على ضبط كلماته ، ما يؤشر إلى أنهما لم  ينجحا في التوصل إلى قرار حاسم ومعلن  بشأن وقف الحرب في أوكرانيا أو أنه ينتظر نتيجة اتصالاته مع شركاء في أوروبا ومع الرئيس الاوكراني.

ولوحظ أن بوتين خاطب وجدان صديقه ،  وقال إن ترمب لوكان رئيسا  لما وقعت الحرب في أوكرانيا، وهو بهذا يخاطب  بذكاء مشاعر ترمب و يثير ارتياحه.

وكان ترمب أعلن خلال الفترة الانتخابية الرئاسية  وأيضا بعد عودته إلى كرسي الحكم أنه لو كان  في البيت الأبيض لما وقعت الحرب الروسية على  أوكرانيا، وهو بذلك كان وما زال  يلقي باللائمة على الرئيس السابق جو بايدن.

عبارات الود المتبادلة  تؤشر إلى أن من أبرز نتائح القمة أنها لعبت دورا في تعزيز العلاقة الشخصية  بين الرئيسين والتواصل  بينهما ، وهذا الجانب يوليه ترمب اهتماما شديدا.

وكان  ترمب أشار إلى اهتمامه  وتركيزه  على علاقاته  الشخصية مع قادة في  منطقة الخليج، وهو يعتقد أن العلاقات الشخصية مهمة وحيوية  مع  قادة دول مهمة  في  العالم  وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط ،  لأنها تتميز  بثقل اقتصادي  وموارد حيوية ، وتتمتع  بوزن  وفائض  مالي  يتيح له فرصا واسعة  لإبرام صفقات ضخمة .

ولو تأملنا كلام ترمب بشأن إعلانه أنه سيتواصل مع قادة  (ناتو)  وأوروبا وزيلينسكي ( الرئيس الأوكراني) فهذا يعني أنه بحث مع بوتين نقاطا محددة بشأن أوكرانيا، خصوصا أنه قال إن ” هناك فرصة جيدة لاتفاق” .

هذا يعني أيضا أن ترمب  لم يتوصل إلى تفاهمات نهائية مع بوتين   خصوصا أن الأوروبيين  اصحاب قرار في المسألة الأوكرانية، ومن دون شك للرئيس الاوكراني مواقفه وهو صاحب القضية الأول.

معلوم أن علاقة ترمب  مع زيلينسكي شابها توتر  في فترة سابقة ثم عادت لطبيعتها ،وبعد ذلك  بدأ ترمب يطلق تهديدات لموسكو ويلوح بعقوبات في حال لم يوقف بوتين الحرب.

أرى أن بوتين حقق مكسبا مهما بعقد القمة مع ترمب، إذ كسر العزلة الأميركية المفروضة عليه منذ سنوات، ما يعني أن دائرة كسر العزلة ربما تتسع لتشمل دول “ناتو” وأوروبا في وقت لاحق.

 ليس في مقدور  الدول الأوروبية أن تعارض مواقف ترمب السياسية أو  تقف في وجه  صفقاته  السياسية والاقتصادية ، أوتعترض على قراراته الحاسمة، ويكفي الإشارة  في هذا السياق إلى ضغوطه على دول “ناتو ” في قمتها الأخيرة في هولندا في 24 يونيو 2025 ، ثم جاءت حرب الرسوم الجمركية التي بدأت في 2 أبريل 2025  لتشمل أقرب الحلفاء  الأوروبيين الحريصين على العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن .

ترمب لا يحتمل فشل مساعيه ومشاريعه  وسيفعل أي شيء لانجاحها و هذا  ممكن مع دول أوروبية وسهل مع دول ” نامية” لا تقوى على أن تقول لا لـصاحب شعار ” الفيل” الذي أعاده إلى البيت الأبيض باعلان فوزه  في انتخابات الرئاسة في  6 نوفمبر 2024 لكن مع بوتين فالمسألة  ليست بتلك السهولة كما هي  مع دول أخرى .

بوتين  من جهته يبحث عن نقاط ترجيح لكفة حساباته في اوكرانيا والعالم ، ورغم أن حربه على أوكرانيا أسفرت عن مشكلات كثيرة لبلاده فقد عاد إلى موسكو  بعد قمة ألاسكا مع ترمب مرتاحا بعدما دشن صفحة تواصل جديدة مع ترمب تعزز جسور تفاهمات قديمة ، وهو بهذا كأنه يرسل رسالة إلى دول أوروبية تقف موقفا حاسما  وواضحا وداعما لسيادة واستقلال وسلامة أراضي اوكرانيا ، وهاهو بوتين يقول للأوروبيين إنه يبني علاقة جديدة مع العملاق الأميركي.

في سياق كل هذه التفاعلات، أتوقع أن يعلن ترمب قريبا  تطورا بشأن  الحرب  الروسية في أوكرانيا،  خصوصا أنه  أعلن أنه سيجتمع مع بوتين قريبا.

ترمب ، صاحب  نظرية “سلام القوة “لا يحتمل الفشل.. واذا فشل فهو سيلجأ إلى ممارسة الضغوط الشديدة التي تربك خصمه وتُحكم عليه الخناق .

 بوتين يدرك أبعاد ما تعنيه خسارة علاقته الشخصية مع ترمب، كما يعرف القادة في أوروبا والرئيس الأوكراني سمات شخصية ترمب التي تمارس الضرب  في الهواء الطلق، وفي بث فضائي مباشر.

 أرى أن قمة ترمب- بوتين لم تنجح النجاح الذي كان يتطلع إليه ترمب،  لكنها لم تفشل ..

القمة ساهمت في جريان مياه كثيرة غير مرئية تحت جسر العلاقة  الشخصية بين ترمب وبوتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *