
محمد المكي أحمد:
يحل “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، في 3 مايو 2025، في ظروف بالغة السوء تواجه السودانيين ، بسبب الحرب الطاحنة والمدمرة التي اندلعت بشراسة ، في 15 أبريل 2023 بين قائد الجيش في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات “الدعم السريع” الفريق محمد حمدان ( حميدتي) وأدت إلى مقتل عشرات آلاف السودانيين ، ونزوح ما تقدره بعض الجهات الدولية بـأكثر من 13 مليون شخص.
اللافت في حرب السودان أن استهداف المواطن وممتلكاته هو العنوان الأبرز ، والمشهد الأسوأ ، لتفاعلات الحرب، وقد قُتل عدد كبير من السودانيين ، سواء بالاستهداف المباشر بـ” المُسيرات” و القصف المدفعي، و بالتصفية والذبح، و بالمرض والخوف .
في المُناخ الدموي، السائد في السودان، دفع الصحافيون السودانيون دماء غالية ، وتشريدا وقمعا ، وما زالوا يدفعون أثمانا باهظة في أجواء الحرب، وهي من دون أدنى شك أجواء قمع ، وقهر، إذ لا يعلو صوت في السودان منذ أكثر من عامين سوى صوت المنخرطين في جرائم إراقة الدماء والتدمير للممتلكات الخاصة والعامة .
في تاريخ كل الأنظمة الديكتاتورية في السودان فان الصحافيين هم الصوت الأول الذي يرتفع دفاعا عن الحرية وحقوق الناس في التعبير والحياة الآمنة والعيش الكريم.
بسبب الموقف المهني والوطني، فان عددا من الصحافيين، يضعهم أعداء الحرية في صدارة قائمة الاستهداف ، هم أول من يواجه ممارسات القمع والبطش ، و أول من يتعرض لانتهاك الحقوق المهنية.
هواة الانقلابات وقادة الحروب يجيدون اساليب البطش والقمع ، ويشددون على أن يسود صوت البندقية الباطشة ، والمُسيًرات الحارقة والمدافع والصواريخ المدمرة، ليهزم مَن يرفعون ألوية الدعوة للاحتكام إلى لغة الحوار الرصين، الذي يجنب السودان ويلات الحروب والخراب ويُجنب المواطن، المقهور، والمغلوب على أمره ، سموم الكراهية والعنصرية البغيضة.
مأساة الصحافيين السودانيين
في” اليوم العالمي لحرية الصحافة” الذي يصادف اليوم أصدرت نقابة الصحافييين السودانيين بيانا ، تصدره موقف و رؤية تقول” حين تُخمد البنادق، وحدها الحقيقة تبقى شاهدة.”
قالت نقابة الصحافيين السودانيين إن العالم يقف في الثالث من مايو من كل عام، ليحتفي بحرية الصحافة، ونقف نحن – في السودان – في حضرة الألم والخسارة والتحدي، إذ يحل علينا هذا اليوم وبلادنا تدخل عامها الثالث من الحرب، وصحافتنا تنزف من جسدها ضحايا، وتُدفَع إلى المنافي، وتُحاصَر بالكراهية والتضليل”.
وأكدت النقابة أنها “وثّقت ،خلال العامين الماضيين، مقتل واحد وثلاثين صحافيا وعاملا في المجال الإعلامي، في حوادث اغتيال وقصف مباشر، فضلا عن اعتقال واحتجاز ما لا يقل عن239 صحافيا وصحافية، وتعرض عشرات آخرين للضرب والتنكيل والملاحقة والتهديد”.
وأضافت “بلغ العدد الكلي للانتهاكات ضد الصحافيين منذ اندلاع الحرب 556حالة موثقة. وفي موازاة ذلك، أدت الحرب إلى انهيار بيئة العمل الصحفي، حيث يوجد أكثر من 1000 صحافي وصحافية خارج دائرة العمل، معظمهم في مؤسسات الإعلام الرسمي، يتقاضون ثلث رواتبهم أو أُحيلوا إلى التقاعد دون تسوية.”
و لفتت النقابة إلى ما وصفته بـ “المأساة الأشد وطأة على الزملاء والزميلات في المنفى، فقد لجأ أكثر من 500 صحافي وصحافية إلى خارج البلاد، يواجهون قيودا قانونية وضغوطا متعددة، ومع ذلك لا يزال كثيرون منهم يواصلون نقل الحقيقة، وكشف الانتهاكات بحق المدنيين في السودان، وسط غياب التغطية الدولية الكافية.”
وجاء في بيان النقابة “في هذا اليوم ( اليوم العالمي لحرية الصحافة) نستحضر معاناة الزملاء في الميدان والمنفى، ومن بينهم من كتب: “غادرت بيتي دون أوراق أو أدواتي الصحافية، لكني ما زلت أكتب لأبقي الذاكرة حية” ووجهت النقابة “تحيتنا لهؤلاء، وإليهم نرفع صوتنا بأن الفجر قادم مهما طال الظلام.”
النقابة وتوثيق الانتهاكات
وقالت نقابة الصحافيين السودانيين في بيانها أنه على الرغم من الأوضاع الصعبة التي فرضتها الحرب، لم تكتف نقابة الصحافيين السودانيين بدور المراقب، بل كانت حاضرة في الصفوف الأمامية لحماية الصحافيين والدفاع عن حقوقهم، مشيرة إلى أنها نظمت حملات توعية، ودعمت الصحافيين داخل السودان وفي المنافي، وواصلت إصدار التقارير التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان، بينما طالبت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية بالتحرك الفوري لضمان سلامة الصحافيين.
وأضافت “لقد كانت النقابة على الدوام عنوانا للنضال من أجل الحقيقة والحرية، وستظل صامدة في وجه التحديات مهما كانت”.
دعوة لوقف استهداف الصحافيين
ودعت النقابة إلى”وقف فوري لاستهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، وضمان محاسبة كل من تورط في انتهاك حقوق الإعلاميين، وإعادة هيكلة البيئة الإعلامية في السودان بما يضمن استقلالها وتعددها، بعيدا عن أدوات الاستقطاب والتجييش، و تسوية الأوضاع القانونية والمهنية للصحافيين المتأثرين بالحرب، خاصة المفصولين تعسفيا والمحالين إلى المعاش”.
ودعت إلى “تحرك عاجل من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والدول المضيفة، لتوفير الحماية والدعم للصحافيين السودانيين في المنافي، وتمكينهم من مواصلة أعمالهم بحرية وأمان، وتعزيز ممارسات الصحافة المهنية في مواجهة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، دفاعا عن التماسك الاجتماعي والنسيج الوطني.” ودعت ” الزملاء والزميلات في كل أماكن وجودهم، داخل البلاد وخارجها، إلى التمسك بروح التضامن، والعمل على تشكيل شبكات دعم ومبادرات مشتركة، تعيد للصحافة السودانية صوتها ودورها ورسالتها”.
حرية الصحافة ثمرة نضال وليست منحة
وشددت نقابة الصحافيين السودانيين على موقف مهني ومبدئي بتأكيدها “أن حرية الصحافة في السودان لم تكن يوما منحة، بل كانت ثمرة نضال طويل، وستبقى كذلك”.
رسالة غوتيريش عن الصحافة الحرة
كتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش رسالة وزعتها الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، استهلها بالاشارة إلى أنه “في ظل عالم يعاني من النزاعات والانقسامات، يحل اليوم العالمي لحرية الصحافة ليسلط الضوء على حقيقة أساسية مفادها أن حرية الناس رهينة بحرية الصحافة”.
وأكد “أن الصحافة الحرة والمستقلة هي بمثابة خدمة من الخدمات العامة الأساسية ، وهي العمود الفقري التي تستند إليه مبادئ المساءلة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، لذا يجب أن تكون للصحافيين في كل مكان القدرة على نقل الأخبار بحرية ودون خوف أو محاباة”.
ورأى أنه حينما يفقد الصحافيون هذه القدرة على العمل، نكون جميعا من الخاسرين، ومن المأساوي أن امتلاك هذه القدرة تعترضه صعوبات متزايدة عاما عن عام، وينطوي على مخاطر أشد.”
وقال إن “الصحافيين يتعرضون للاعتداءات والاحتجاز والرقابة والترهيب والعنف، بل يتعرضون للموت أيضا، لمجرد قيامهم بعمله، .ونحن نشهد ارتفاعا شديدا في عدد القتلى من الصحافيين في مناطق النزاع، ولا سيما في غزة”.
وأكد أن حرية الصحافة تواجه في الوقت الراهن تهديدا غير مسبوق، كما يذكرنا بذلك الموضوع المخصص هذا العام لليوم العالمي.” وقال في هذا السياق “أن الذكاء الاصطناعي يمكن إما أن يدعم حرية التعبير أو يكتم صوتها، وأن “الخوارزميات المتحيزة والأكاذيب الملفقة صراحة وخطاب الكراهية بمثابة ألغام أرضية مبثوثة على طريق المعلومات الفائق السرعة”.
ورأى غوتيرش أنه “ليس من أفضل وسيلة لنزع فتيل تلك الألغام سوى توخي المعلومات الدقيقة المستندة إلى الحقائق والممكن التحقق من صحتها، ويشمل التعاهد الرقمي العالمي الذي اعتُمد في العام الماضي إجراءات ملموسة لتعزيز التعاون الدولي في سبيل تعزيز سلامة المعلومات والتسامح والاحترام في الفضاء الرقمي”.
وقال ” يجب تطويع الذكاء الاصطناعي على نحو يتسق مع حقوق الإنسان ويضع الوقائع في المرتبة الأولى.”
ولفت إلى أن “المبادئ العالمية لنزاهة المعلومات التي أعلنت عنها في العام الماضي تدعم هذه المساعي وتثريها، في وقت نعمل فيه من أجل الدفع قدما بمنظومة إعلامية أكثر إنسانية”.
وخلص إلى القول “فلنلتزم، بمناسبة هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، بجعل هذه المساعي واقعا ملموسا وبصون حرية الصحافة وحماية الصحافة في كل مكان.”.