أخبار وتقاريرالسودانبريطانيا و أوروبا

من هي سكينة عربي التي احتشد سودانيون في لندن لتأبينها؟

ماذا قالت"هنا أم درمان" ومحاسن سيف الدين وعوض إبراهيم عوض في شهادة تاريخية عن "كبيرتنا وقدوتنا وأيقونتنا" ؟

محمد المكي أحمد:

 في رحيل سكينة عربي ، صاحبة البصمات، التاريخية،  الحيوية ، في “هنا أم درمان” إذاعة جمهورية السودان، تلقى أشرف أبو عكر، التعازي في رحيل والدته المذيعة السودانية، ذائعة الصيت،  وصاحبة العطاء  الثر،  لشعب السودان، عبر موجات الأثير ،  الأقدم والأعرق، التي تنطلق من  قرب النيل، في مدينة أم درمان، التاريخية، العريقة، إحدى مدن العاصمة السودانية (المُثلثة ) الخرطوم، الخرطوم بحري ، أم درمان.

في تأبين  الإذاعية  سكينة عربي احتشد سودانيون من الجنسين في العاصمة البريطانية، لندن، لتأبين الراحلة، وسجلت حواء السودانية حضورا  في التأبين.

 أشرف أبو عكر يخاطب المُعزين

أشرف أبو عكر، إبن الفقيدة ،خاطب الحشد  بصوت جهوري، متميز، كصوت والدته ، وهو رجل جهير الصوت، لكن صوته ارتسم خلال التأبين  بالحزن.

 توجّه للمُعزّين نيابة عن الأسرة بـ” جزيل الشكر والامتنان والعرفان لكل من قدم التعزية الصادقة والمواساة الحسنة في وفاة الوالدة سكينة عربي، رحمها الله رحمة واسعة “.

أعاد  أشرف إلى ذاكرة الحاضرين صوت والدته النابض بالحيوية و قال :” هنا أم درمان  إذاعة جمهورية السودان.. عبارة تحمل مدلولاتها “.

أضاف : “نودع اليوم صوتا آخر  ليلحق بقامات أخرى كنا قد ودعناها من قبل .. قامات عانقت ميكروفون الإذاعة السودانية ,, رحمهم الله جميعا رحمة واسعة”.

تابع:” هنا أشيد بدور المرأة السودانية التي عملت في محالات مختلفة وكانت في مقدمة الصفوف التي تسعى للبناء والتنمية ،في شتى المجالات التعليمية والصحية والإعلامية وغيرها”.

توجه أشرف بالشكر لـ “الإخوة والأخوات، الصحافيين والقانونيين، وفي هيئة الإذاعة والتلفزيون ( في السودان)  والعاملين فيها”.

عمر عبد العزيز ودعوة للصحافيين

تحدث في التأبين  الزميل عمر عبد العزيز، الصحافي السابق في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وأشاد بمساهمات الفقيدة الكبيرة في المجال الإعلامي.

وأشار إلى أن الفقيدة الأستاذة سكينة عربي من أوائل المذيعات السودانيات اللائي اسمتع لهن السودانيون عبر أثير الإذاعة السودانية.

ودعا زملاءه الصحافيين والإعلاميين إلى إقامة تأبين في العاصمة البريطانية، لندن، لتخليد ذكرى الفقيدة.

موعظة الشيخ عبد المحمود

في ختام التأبين تحدث الشيخ الوقور عبد المحمود  الشيخ عبد الجبار السماني، بصوته الهاديء ،الذي ينساب إلى العقول والقلوب ، وقدم وعظاً مهماً درج على تقديمه للسودانيين في مآتمهم بروحه الطيبة ولسانه، العف، الذي ينطق بالخير، بكلمات جميلة،  لا تجرح ولا تسيء، ونصح وذكّر بالموت وأهمية أن يتذكره الإنسان في كل الأوقات، ودعا لسكينة بالرحمة.


الإذاعة السودانية تروي تاريخ  سكينة

 وفي لفتة وفاء وتقدير تعكس نبض وفاء وتقدير زميلات وزملاء المهنة ، نعت الإذاعة السودانية سكينة عربي، واهتمت بسرد تفاصيل عن  سيرتها وعطائها.

وصفت الإذاعة، الراحلة،  بأنها  واحدة من رائدات النساء فى ولوج الإذاعة السودانية، و سبقتها صفية محمود وأم الحسن اللتان قدمتا  فقرة داخل برنامج باسم “حبوبه فاطمة” مدتها عشر  دقائق وتتضمن  إرشادات وتوجيهات للمرأة .

وأوضحت أن الأستاذة سكينة عربي ولدت  بمدينة ودمدني وتنقلت مع أسرتها فى العديد من مناطق السودان بحكم عمل والدها الذى كان يتطلب الترحال من مدينة لأخرى .

واهتمت بالقراءة والإطلاع منذ صغرها، فهى من أسرة تضم عدد اً من الأشقاء الذين تخرجوا في  كلية غردون التذكارية .
تعاونت سكينة عربي  فى البدء مع الإذاعة فى برنامج المرأة وظلت تقدم فقرات متنوعة فى هذا البرنامج .

وأشارت الإذاعة السودانية أن شقيقها عبدالروؤف عربي مهد لها لدخول الإذاعة بتقديمها  الى محمد عامر بشير فوراوى الذى كان يشغل منصب مدير وزارة الاستعلامات والعمل فتمت المصادقة على تعاونها مع الإذاعة .

وصادفت فترة دخولها الإذاعة عدم وجود شخصية نسائية تقدم برنامج المرأة إذ كان يقدمه الإذاعي يسن معنى  .

وكانت سبقتها فى العمل الإذاعي ببرنامج المرأة صفية محمود وأم الحسن وقدمتا  فقرة داخل برنامج المراة باسم (حبوبه فاطمة) .

و استمرت سكينة عربي تقدم هذا البرنامج لمدة أربع سنوات فى الفترة من 1964 إلى  العام 1968 حيث تم  تم تعيينها بالإذاعة  .

وعملت الراحلة سكينية عربي  بقسم المذيعين فكانت إحدى قارئات نشرة الأخبار .

وقالت الإذاعة السودانية إن الراحلة تقلدت منصب مساعد المدير العام للثقافة والإدارة الثقافية وتعاون  معها فى هذا القسم عدد من المثقفين والعلماء منهم البروفسير عبدالله الطيب والأستاذ فراج الطيب .

وأوضحت الإذاعة  أن الراحلة   تلقت تدريباً بالقاهرة فى الفترة من 1987- 1988م و  أعدت برنامجاً لإذاعة وادى النيل فى قالب منوعات .

 محاسن سيف الدين .. نعي القلب والعقل

المذيعة المبدعة ، صاحبة التاريخ الإذاعي الناصع محاسن سيف الدين نعت زميلتها سكينه عربي، وصفتها بـ” كبيرتنا وقدوتنا وأيقونتنا الإذاعيه الرائدة، و كبيرة المذيعين ومساعد مدير الاذاعه للثقافه فى سجلها الإدارى ”.

قالت  إن الراحلة أسهمت من خلال  عملها فى الإذاعه فى بناء المجتمع عبر النواحى الاجتماعيه والتربوية والثقافيه الى جانب نشر الخطاب الإذاعي المباشر المبسط حتى  ظهور التلفزيون، وذلك ضمن عملها فى برامج المرأة والأسرة’ والتمثيل.

أضافت : أن سكينة  بدأت مشوارها الإذاعي بالتمثيل، وتعلمنا منها أن نظل حافظين على تقاليدنا الاذاعيه المحببه للمستمعين فاخذنا منها المهنه وقد منحت خبرتها
للعديد من الأجيال .

أشارت إلى الجيل الذى دخل الاذاعه هاوياً و الجيل  موهوب، وقالت إن هناك فرقاً بين الجيلين لا يعرفه الا الأذكياء،
وقد عملنا وكان هدفنا تجويد العمل وارضاء المستمعين والحفاظ على نهج وأدبيات العمل الاذاعى ورفعة المهنة.
لفتت محاسن إلى  إن الأستاذه سكينه عُينت فى وظيفه ثابتة فى عهد
المدير الدكتور عبد الواحد عبد الله الذى عرفناه شاعراً من خلال نشيد “اليوم نرفع راية استقلالنا”
لمحمد وردى.

أضافت أنها انتقلت بعد اجتيازها امتحان القدرات إلى قراءة نشرات الأخبار والبرامج السياسيه، و نالت فترة تدريبية على يد أميز خبيرة تدريب فى الشرق الأوسط، كانت دعتها ادارة الاذاعه لتدريب المذيعين فى السودان الأستاذة أميمة عبد العزيز.

وكان من زملائها الذين نالوا التدريب حمدى بدر الدين.. حمدى بولاد ..كمال محمد الطيب.. سعاد ابو عاقله ..صفاء محمد حِرِك .. عبد الوهاب احمد صالح .. وعبد الرحمن احمد وآخرين.
وقالت  إن سكينه ُأبتعثت إلى اذاعه وادى النيل بالقاهره برفقه حمزه مصطفى الشفيع وكمال محمد الطيب فى الفترة من عام ١٩٨٧ إلى ١٩٨٨
وقدمت العديد من البرامج فى إذاعة وادى النيل.

ووصفت محاسن، الراحله سكينه، بأنها  شخصيه قوية و مهابه ادارياً وصاحبة كاريزما ولا يستطيع أحد أن يكسر قراراتها وهى مديرة إدارة المذيعين فى عهد الأستاذ صالحين. وكانت  قررت نقل بعض المذيعين من الاذاعة الى التلفزيون، إذ كانت ادارة واحدة.
وأكدت أن على يد سكينة   تدرب أجيال من المذيعين والمذيعات و بينهم نجاة كبيده ، نائله وسهام العمرانى، اكرام الصادق،فاطمه الصادق ، عوض ابراهيم عوض وزملاء آخرين.

وقالت محاسن : “عندما التحقت بالإذاعه وجدت أمامى الزميلات عفاف صفوت سعاد ابو عاقله. سكينه عربى، صفاء حرك يشغلون منصب مذيع، وكانت عفاف كبيرة المذيعين.

وخلصت في نعيها إلى أن “الأستاذه سكينة عربى أدت دورها كاعلاميه بمسيره حافلة
بالنجاح وجليل العطاء”، وتوجهت بالعزاء إلى “جميع الزملاء. وقالت:  أعزى أبناءها طارق الصغير واكرم وأشرف ودكتور اسعد وثريا ووجدان وكل احفادها وأهلها، واختتمت عزاءها بالقول: “أذكركم بصوت الرائده سكينة وهى تقدم الفريق ابراهيم عبود فى ذكرى ثورة أكتوبر (  1964)..

 

عوض إبراهيم .. شهادة  للتاريخ

في تسجيل  بنبض بصوته  الحيوي، وصورته، نعى الإذاعي عوض إبراهيم عوض زميلته سكينة عربي،  وقال ” بكل الالم والحزن والأسى تلقينا نبأ  رحيل أستاذة الأجيال، الأستاذة المخضرمة العظيمة، سكينة عربي”.

نعى “لكل أهل السودان ذلك الصوت المميز ، القوي، الذي برز من خلال نشرات الأخباروالبرامج الثقافية، والفكرية والعلمية والدينية على مدى ما يزيد على نصف قرن من الزمان”.

قال :” الحزن ملأ قلبي وأنا في بلاد الغربة أتلقى هذا النبأ المؤلم، سكينة أمّنا، وسكينة أختنا، وشقيقتنا وزميلنا وصديقتنا، ولا نشك أنها كانت بنتنا ايضاً، ليه ( لماذا) لأنها كانت تتعامل مع كل إنسان بنفس الصفاء والنقاء والجمال”.

ولفت إلى أن سكينة عربي دخلت الإذاعة السودانية في بواكير العمل الإذاعي، و عندما انتقلت الإذاعة   من بيت الأمانة إلى مقرها الدائم الحالي قرب النيل في العام 1957 ، وبعد ذلك بسنتين وكانت الإذاعة تعتبر جديدة  في هذا المقر التحقت بها سكينة .

وأضاف أن  النساء  كن قلائل جدا في الإذاعة ، كانت هناك أميمة عيد وهي فاطمة عيد،  وكانت تسمى أميمة عيد أيضاً، وكان هناك من زميلاتها عفاف صفوت ، وبعد فترة من الوقت  التحق بهن عدد من الزميلات ، فالتحقت بالإذاعة الأستاذة القديرة محاسن سيف الدين والأستاذة القديرة ليلى المغربي، والأستاذة الراحلة القديرة صفاء  محمد حرّك. إزداد عدد الزميلات، وكانت هناك  الأستاذة  فوزية يوسف والأستاذة عزيزة درويش وبعض المتعاونات الائي كن يأتين إلى الإذاعة بين الفينة والأخرى.

وقال إن سكينة عربي جمعت بين عمل المذيع وعمل الممثل وعمل المُعد والمنتج، كل هذا لأن لها قدرات عالية ، وبالتالي عندما جئنا نحن للإذاعة في زمن متأخر إلى حد كبير احتضنتا احتضاناً كبيراً.

أقول ذلك وللتاريخ – والحديث لعوض إبراهيم عوض-  فقد أجرت معي أول حوار  لبرنامج عرض الصباح ، وكنت شاباً في مقتبل العمر، كان عمري 19 سنة، وقرأت بعض القصائد الشعرية التي استمع اليها عدد من الملحنين، منهم الراحل أحمد زاهر،والأستاذ عبد الفتاح الله جابو، وقالوا  لي يا عوض نحن عايزين ( نريد) نلحن  أغنياتك، وكانت هذه بداياتي مع عالم الشهرة في مجال العمل الفني والإبداعي والغنائي، وهذا كان بسبب سكينة عربي.

وقال إن سكينة عربي عملت كبيرة للمذيعين في فترة كان المذيعون  فيها فطاحلة الناس الذين سبقونا في العمل، أمثال الأساتذة عمر الجُزلي، والأستاذ عمر عثمان، والأستاذ علم الدين حامد، والأستاذ عبد الرحمن أحمد محمد صالح ،والأستاذ عبد الوهاب أحمد صالح، والأستاذ دو النون بشرى، والأستاذ خليل الشريف، وعدد من المذيعات اللائي كن في تلك المرحلة.

وأضاف إن سكينة تنقلت في الأقسام المختلفة بالإذاعة، فاصبحت رئيسة لقسم الثقافة ورئيسة قسم المرأة والطفل وهذا القسم أُسس على يديها، وظلت على مر السنوات هي الأم الرؤوم  لكل الناس.

وتابع: في آخر الفترات كرمتها حكومة السودان، وجاء اليها  رئيس الجمهورية في البيت، ودعتني وعدداً من الزملاء والناس وذهبنا إلى بيتها وكان آنذاك في  كافوري، لكنها ظلت تسكن  في ” الثورة” ( منطقة في أم درمان) في بيت الأسرة مع زوجها الأستاذ حسن أبو عكر وأبنائها أكرم، أشرف ، وأمجد، وكانت تربطني صداقة قوية جدا مع مع إبنها أكرم ، هو صديق عُمر منذ دخولنا الإذاعة إلى أن فرقتنا الأيام والسبل .

وأفاد عوض إبراهيم عوض، في شهادته  التاريخية، المهمة ، والزاخرة بنبض الوفاء،  بأن  “آخر لقاء لي مع سكينة عربي  حينما جاءتني الزميلة والصديقة  الأستاذة  محاسن سيف الدين ، وأحيييها، وأعزيها في صديقة عمرها ، وقالت لي محاسن أن سكينة “محتاجة اليك شديد جداً ولازم تقابلك ومتى تتصل بك “.؟

قال عوض: قلت لمحاسن: ” لا تتصل بي ، أنا سأذهب اليها في البيت، وذهبنا أنا ومحاسن سيف الدين إلى سكينة عربي، ففاجأتني وقالت لي أنا عايزه ( أريد) آخذ خبراتك التي أخذتها في ماليزيا  لأننا قررنا نسافر، ولدينا أطفال صغار وأحفاد سيدرسون في ماليزيا وسنبقى معهم سنوات طويلة ، فقدت لها معلومات كافية عن ماليزيا ، وحاولت أساعد في بعض الإجراءات اللوجستية التي تتعلق بالسفر”.

أضاف: “بالفعل سافرت مع أسرتها إلى ماليزيا، وكان هذا آخر لقاء لي مع الأستاذة العظيمة، الراحلة سكينة عربي ، أسال ألله تعالى أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يلهم أهلها وذويها واصدقاءها وتلاميذها الكُثر  الصبر والسلوان ، وأن يحشرها في زمرة النبيين والصالحين والصديقين ، وحسن أولئك رفيقا، وأن يجعلها في أعلى عليين، وأن يظلها بظله يوم لا ظل   إلا ظله، إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *