
محمد المكي أحمد:
تفاعلات جديدة، أضفت أهمية على مباحثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقائد الجيش السوداني ( رئيس مجلس السيادة) عبد الفتاح البرهان ، اليوم،، في القاهرة، وميّزتها عن لقاءات سابقة، شهدتها مصر، بعد انقلاب البرهان في 21 أكتوبر 2021 ، و بعدما انفجرت الحرب الحالية في السودان، بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في 15 أبريل 2023 .
لقاء اليوم جاء غداة اجتماع الرئيسين الأميركي والمصري، ترمب والسيسي، في شرم الشيخ، التي شهدت قمة دولية شارك فيها أكثر من عشرين زعيم دولة، حيث وقع الرئيسان الأميركي والمصري وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطة ترمب للسلام في الشرق الأوسط.
مصر خاطبت الرأي العام ببيان أوضح أن مباحثات السيسي والبرهان تناولت “أهمية الآلية الرباعية كمظلة للسعي لتسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق الاستقرار المطلوب” في السودان .
الإشارة المصرية إلى “الآلية الرباعية” التي تضم أميركا ومصر والسعودية والإمارات في بيان بشأن اجتماع السيسي والبرهان يعني أن مصر التي انضمت حديثا إلى مجموعة ” الدول الأربع أبلغت البرهان بمضمون رسالة، تُشدد على أن لا خيار أمامه سوى التعامل مع خارطة طريق “الدول الأربع” بقيادة ترمب .
اللافت أن تصريح المتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية، بعد إجتماع السيسي والبرهان، قال : ” أعرب الرئيسان عن التطلع لأن يسفر اجتماع الآلية الرباعية الذي سوف يعقد في واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري عن نتائج ملموسة بغية التوصل لوقف الحرب ( في السودان) وتسوية الأزمة”.
هذا معناه أن الموقف الذي كانت تعكسه التصريحات الساخنة، والعنتريات اللفظية التي صدرت في بورتسودان، سواء على لسان البرهان وعدد من قادة الحرب ، والرافضة لجهود تسوية الأزمةـ وتُركز على الحسم العسكري كخيار وحيد ، قد تبخرت وطواها النسيان، أو في طريقها إلى التلاشي .
توضيحات المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أكدت أن ” الرئيسين” أعربا عن “التطلع لأن يسفر” اجتماع مقبل للآلية الرباعية “عن “نتائج ملموسة لوقف الحرب وتسوية الأزمة”.
بقراءة مضمون التصريح المصري يمكن القول إنه ثمرة تفاهمات أميركية مصرية في شرم الشيخ ، وكنت أشرت إلى تلك التفاهمات، في مقال نشرته عشية اجتماع ترمب السيسي و قادة عدد من الدول في مصر.
وجاء في مستهل توضيحات المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن السيسي والبرهان ناقشا ما وصفه البيان المصري بـ “تطورات الأوضاع الميدانية في السودان الشقيق، والجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار في السودان”.
البيان المصري جدد التأكيد على موقف مصري معروف ومعلن ، وليس جديداً، إذ قال إن ” الرئيس السيسي أكد ثوابت الموقف المصري تجاه السودان”.
وشدد على “دعم مصر الكامل لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفضها القاطع لأي محاولات من شأنها تهديد أمنه أو النيل من تماسكه الوطني ، أو تشكيل أي كيانات حكم موازية للحكومة السودانية الشرعية”.
لم تغب قضية مياه النيل في البيان المصري إذ قال ” إن الاجتماع تطرق إلى مستجدات ملف مياه النيل، حيث جدد الجانبان رفضهما القاطع لأي إجراءات أحادية تُتخذ على النيل الأزرق، بما يتعارض مع أحكام القانون الدولي ذات الصلة”. و أضاف المتحدث المصري :”في السياق ذاته، شدد رئيس مجلس السيادة السوداني على وحدة الموقف بين مصر والسودان، وتطابق مصالحهما إزاء قضية السد الإثيوبي. واتفق الرئيسان، في هذا الإطار، على تعزيز وتكثيف آليات التشاور والتنسيق بين البلدين لضمان حماية الحقوق المائية المشتركة”.
البيان المصري اتسم بالشفافية بشان أهم ما دار في إجتماع السيسي والبرهان، وذكر ” الآلية الرباعية” والجهود الهادفة لتسوية أزمة الحرب في السودان، وقضية المياه، وغيرها.
لكن ماذا قالت بورتسودان عن المباحثات؟
وكالة السودان للأنباء الحكومية بثت نصا رسميا ، يقول إن “السيد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عقدا جلسة مباحثات مشتركة.”
وأضافت ( سونا) وهي لسان الحكومة أن “المباحثات استعرضت مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، وسُبل تعزيز التعاون المشترك بينهما في مختلف المجالات، بجانب تطورات الأوضاع في السودان، والقضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وأضافت أن ” المباحثات أكدت على عمق ومتانة العلاقات الراسخة بين البلدين وأهمية ترسيخها وتعزيزها والارتقاء بها، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين”.
بمقارنة ما صدر عن القاهرة وبورتسودان يبدو جلياً أن نهج التعتيم وغياب الشفافية طغى على إعلان حكومة بورتسودان عن مباحثات القاهرة، فجاء الخبر من دون أية إشارة إلى “الآلية الرباعية” وجهود تسوية الأزمة ، أوتطلًع الرئيسين لنتائج اجتماعات الآلية الرباعية في هذا الشهركما جاء في البيان المصري .
لم يشر بيان حكومة بورتسودان أيضاً إلى قضية مياه النيل ، أي أنه جاء بلا لون ولا طعم ، ,أخفى مضمون مداولات مهمة بشأن قضايا حيوية.
هذا التعتيم يؤكد أن هناك حرصا على التكتم بشأن ما دار بين السيسي والبرهان بشان ” الآلية الرباعية” والتسوية السلمية لأزمة الحرب.
التعتيم وعدم ذكر التفاصيل التي تناولها البيان المصري هي إجراء مقصود ، لأن هناك ” حلفاء” للبرهان يخشى أن يثيرهم الحديث عن التسوية السلمية و” الآلية الرباعية”.
كل هذه التفاعلات تعني أن هناك تفاهمات أميركية مصرية، ومصرية سعودية ومصرية إماراتية بشأن مجريات الأوضاع في السودان وسبل التسوية ، وقد أشرت إلى هذه التفاهمات في مقالة نشرتها في 11 أكتوبر 2025 عشية انعقاد قمة شرم الشيخ في 13 أكتوبر 2025 بعنوان ” ما هي رسالة قمة شرم الشيخ للسودانيين بعدما أوقف ترمب حرب غزة “.
مصر انضمت إلى مجموعة “الدول الأربع” حديثاً وشاركت في وضع خارطة طريق لتسوية الأزمة السودانية ،وتضمنت رؤى واضحة بشأن الحرب ومستقبل الأوضاع في السودان.
وستنخرط القاهرة في أدوار تنسجم مع تفاهمات ترمب والسيسي في شرم الشيخ، وبتنسيق مع السعودية والإمارات، فالدولتان عضوان في ” الآلية الرباعية” .
سؤال الساعة ، هل يستطيع البرهان فرض موقف جديد ينحاز إلى التسوية السلمية للحرب ، بمواكبة توجهات ” الآلية الرباعية” التي حددت برنامجا زمنيا للتسوية في السودان، وشددت على أن ” مستقبل السودان لا تحدده “جماعات متطرفة عنيفة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين”.
هل ينحني ” حلفاء” البرهان من ” الإسلاميين” وهم حكام الأمس واليوم ، و تجار الحروب وسماسرتها ، والذين يتمسكون بخيار الحسم والحل العسكري أمام العاصفة ” الترمبية ” التي ستهب هذه المرة من القاهرة بتنسيق مع أميركا والسعودية والإمارات إذا رفضوا خيار التسوية؟.
دائرة الخناق على دعاة استمرار الحرب تستحكم ، بدخول مصر بقوة في ميدان التسوية التي يسعى إليها ترمب.
الرئيس الأميركي الذي أوقف الحرب في غزة ومناطق أخرى سيضغط على دعاة الحرب ورافضي التسوية، عبر آليات “سلام القوة ” لإسكات آلة الحرب في السودان.
ترمب يريد أن يوصف بـ” صانع السلام” في العالم، وقد تعهد بتحقيق هذا الهدف، في وثيقة وقعها مع الرئيس المصري وأمير قطر الشيخ تميم والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في شرم الشيخ.
هذا كله يعني أن خيار التسوية السلمية هو أفضل خيار متاح أمام جميع الأطراف المتصارعة في السودان، لوقف سفك دماء السودانيين، ووضع حد لمأساة التشرد والجوع والتجويع والأمراض القاتلة.
وفي حال تعنتت الأطراف الغارقة في الدماء، ورفضت التسوية السلمية ، فان العواصف ضدها ستهب أولاً من القاهرة التي لن تتهاون بشأن شراكتها مع واشنطن، ودورها في ” الآلية الرباعية” .
وستهب عواصف أخرى ليس في مقدور أي طرف مواجهتها أو مقاومتها، خصوصاً أن معظم السودانيين يتطلعون إلى فجر السلام والاستقرار والعيش الكريم.
لا مستقبل لمن يحكم شعب السودان اليوم أو غدا بالبندقية والقمع .
المستقبل للحرية والعدالة والمساواة ,وحقوق الإنسان.. طال الزمن أو قصر.
رابط مقالتي بعنوان ( ما هي رسالة قمة شرم الشيخ للسودانيين بعدما أوقف ترمب حرب غزة؟
ماهي رسالة قمة شرم الشيخ للسودانيين بعدما أوقف ترمب حرب غزة؟