السودانمقالات

محتاجون إلى مواجهة (جائحة العنصرية) ومروجي سموم الكراهية

محمد المكي أحمد:

من فلويد في أميركا إلى راشفورد وسانشو وساكا في بريطانيا تتجدد أساليب ووسائل العنصرية، المبثوثة  فضائيا،  و عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتثير الرأي العام في دول عدة، ولسنا بعيدين  في السودان عن ( الجائحة) وفقا لتوصيف دولي.

أصابع  بعض السودانيين في الداخل  والخارج غارقة في وحل المناخ العنصري الذي يضهد الآخر السوداني بأساليب مختلفة ، ويبث سموم الكراهية ويشن  حروب وحملات التشويه والتضليل والتحقير، عبر الكلمة المكتوبة، والمسموعة، وعبر (فبركات) وعمليات تلفيق.

عالميا، معلوم أنه بعد طي ملف قضية  جورج فلويد الأميركي من أصول إفريقية، الذي قتله شرطي أبيض في مايو 2020 بالجثو بركبته على رقبته، لمدة تسع دقائق، وحوكم بالسجن 22 عاما ونصف العام في يونيو 2021، ها هو العالم  ُصدم  بأساليب قتل، معنوية، عنصرية، بشعة ،استهدفت  ثلاثة لاعبين بريطانيين من ذوي البشرة السمراء بعدما أخفقوا قبل أيام في تسديد ركلات الترجيح في مباراة إنجلترا وإيطاليا في نهائي بطولة أوروبا 2020 .

المتابعون لهذه المسألة يعرفون أن  الحملات العنصرية على اللاعبين  الثلاثة  أثارت  رد فعل حكومي سريع، إذ تعهد رئيس الحكومة  باتخاذ إجراءات عقابية، واعلن سعيه إلى تعديل تشريعات لمواجهة (عنصريين)،

ما يميز ردود الفعل  البريطاني والأميركي والأوروبي  بشأن قضايا العنصرية ،  يتجلى  في  وجود رأي عام يضغط على الحكومات في الشوارع، والأهم أنه توجد أحزاب عصرية، مؤسسية، تضع حقوق الإنسان في صدارة أولوياتها.

صحف بريطانية عريقة  لعبت دورا فاعلا من خلال الخبر والتعليق والحوار ( الخ)، واستندت في  مرجعيتها الأخلاقية المهنية إلى  ثقافة حقوق الانسان، ودافعت عن كرامة اللاعبين والتزمت المهنية.

المشهد الأهم،  شهده البرلمان، في جلسة أسبوعية  تُخصص لمساءلة وتوجيه أسئلة  ساخنة  لرئيس الوزراء  بوريس جونسون، وبادر زعيم حزب العمال المعارض السير كير ستارمر   بتوجيه انتقادات ساخنة لرئيس الحكومة،  في أجواء ديمقراطية، لا كبير فيها على نواب الشعب.

اذا تأملنا أبعاد تأكيدات جونسون في 14 يوليو 2021 التي أكدت سعي حكومته  إلى تعديلات تشريعية للتصدي للعنصرية  بوسائلها الجديدة ، وتحذيره شركات التواصل الاجتماعي من توقيع عقوبات اذا لم تتخذ إجراءات ضد المحتوى العنصري، وتعهده بمنع  (عنصريين) من  دخول مباريات كرة القدم، فان انتقادات زعيم حزب العمال المعارض  الذي اتهم رئيس الحكومة   بإعطاء الضوء الأخضر للعنصريين ، فان روعة  المشهد تبدو في التناغم والتكامل بين دوري  الحكومة والمعارضة.

ستارمر زعيم المعارضة،  اتهم رئيس الحكومة  بـ(تأجيج حرب ثقافية) ورد جونسون بقوله ( لن أشارك في أي حرب سياسية ثقافية من أي نوع)، وكانت صحف بريطانية أبرزت في عناوينها الرئيسية (عنصرية في كرة القدم)، و(عنصريون .. الخاسرون الحقيقيون هذا الصيف)، ووضعت على  صفحاتها الأولى  صور مدرب منتخب إنجلترا جاريث ساوثجيت، وهو يعانق  اللاعب ساكا (19  عاما)، في مشهد انساني رائع، مع اشادته بنجوميته وعطائه رغم أنه أضاع ضربة الترجيح الأخيرة.

رئيس الحكومة يعرف فاعلية دور البرلمان، في تشكيل الحكومات وإسقاطها، وكان جونسون حاصر  برلمانيا وانتخابيا وداخل حزبه (حزب المحافظين)  رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي  بشأن قضايا  (بريكست)، أي خروج  بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ، ما أدى إلى اسقاط حكومتها،  ثم انتقل  إلى  مقر رئيس الحكومة في (10 داوننغ ستريت )بعد انتخابات منحته أغلبية برلمانية .

النقاش الساخن بشأن ( العنصريين)  في وسائل التواصل الاجتماعي لا يلغي الحقيقة القائلة بأن  المملكة المتحدة تتمتع  بقوانين تُجرم العنصرية وجرائم الكراهية  والتحرش ( الخ) ، وتسعى من وقت لآخر إلى تحديث بعض التشريعات ، كي تواكب قضايا العصر وتطوراته.

على سبيل المثال، يوجد  قانون  يُجرم  ( التمييز)  بسبب الجنس والعرق واللون والجنسية والمعتقد، كما يحمي قانون المساواة (  (Equality Act 2010 حقوق  الناس ويساوي بينهم  في مجالات عدة، تشمل ميادين العمل والتعليم وتلقي الخدمات العامة.

العنصرية موجودة ربما في كل الدول، لكن توجد في لندن إرادة حكومية وبرلمانية متواصلة لمحاربتها ، احتراما لحقوق الانسان ، وتلعب منظمات المجتمع المدني، أدورا ريادية في هذا المجال ، ويعزز هذا الدور قضاء مستقل وعريق، ينصف المظلوم، حتى لو كانت الحكومة هي الظالم.

في أثناء متابعة وقائع  جلسة البرلمان البريطاني غداة مباراة إنجلترا وإيطاليا ،  ، دار في ذهني  سؤال:  كيف نواجه نحن في السودان  ( عنصريين )  يرتدون ثيابا  مختلفة الأشكال والألوان ؟.

هل  الممارسات العنصرية متجذرة في السودان بعلم السلطات أو بدون علمها؟  ولماذا يطلق بعض الناس  السنتهم ليرددوا  ألفاظا عنصرية معروفة  ولا يخضعوا للعقاب ؟،  ولماذا تتواصل عمليات بث  الكراهية والشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة ، ما يؤدي   إلى إيغار الصدور، لتمتلئ غيظا وحقدا، وتهدد  النسيج الاجتماعي، و روح الاحترام المتبادل، و التآلف المعهود بين السودانيين ؟ وإلى  أين وصلنا في مجالات تعزيز قيم  المواطنة في (السودان الجديد) ؟.

واقع الحال يقول إن مشوار  المكافحة للعنصريين وتعميق قيم المواطنة  ما زال  متعثرا وطويلا، لأنه لا يتصدر قائمة الأولويات حتى الآن، لكن المؤكد أيضا أن  غرس  وتعميق وتجسيد قيم المواطنة على أرض الواقع يؤدي إلى  تماسك البنيان الاجتماعي  الذي يعد شرطا  ضروريا للاستقرار، وضرورة من ضرورات إعادة اللحمة التي مزقتها  الديكتاتورية والحروب.

يُلاحظ في هذا السياق  أن مواجهتنا   لحملات ( عنصريين ) أو تحركنا لمعالجة أمراض تبث سموم الكراهية،  اجتماعيا وسياسيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي  يتم من خلال ردود فعل آنية سرعان ما تتبخر ، وبنهج أحادي لا تتكامل فيه أدوار كل المؤسسات.

تطوير وتحديث التشريعات لتكون عادلة  ومستجيبة للمتغيرات يعد  ضرورة من الضرورات  الملحة، وبث ثقافة حقوق الإنسان  لرفع مستويات الوعي مسؤولية جماعية، أي محتاجون   لنهج حكومي  جديد ومدروس يشارك فيه بفاعلية الاختصاصيون والناشطون في مجال حقوق الانسان.

أرى أن  طريق المعالجة لأمراض ( العنصرية) و( الكراهية) البغيضة وغيرها من المشكلات المعقدة  يحتاج  إلى أدوار و ايقاعات  منسقة و متواصلة، تنهض بها مؤسسة تشريعية تمثل الشعب وخصوصا شبابه ، مع تكامل أدوار أجهزة  سياسية واجتماعية  وحزبية  ومنظمات مجتمع مدني معنية بحقوق الانسان، وتستحق الدعم حكوميا وشعبيا، كما تتطلب المعالجة أن تولي  الأحزاب اهتماما بتشكيل وتفعيل أدوار أمانات  حقوقية متخصصة في مجال حقوق الإنسان.

مطلوب من الإعلام  أن يلعب  دورا وفق استراتيجية تهدف الى  تعزيز ثقافة حقوق الانسان ورفض العنصرية، وليس  من خلال مقابلات سريعة ، بل باعتماد وتطبيق مبادئ حقوق الانسان  في الممارسة الإعلامية اليومية ،التي ترفض العنصرية لدى  كتابة الخبر والتقرير و المقابلات ( الخ)، وهناك ضرورات لأن تلعب مناهج التعليم أدورا حيوية لغرس المفاهيم الإنسانية في العقول، إلى جانب أهمية دور المساجد في هذا الشأن، إذ أن كل الأديان تدين وترفض العنصرية.

نحن محتاجون إلى مراجعة ما صدر ويصدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة  لنعرف أين نقف في مجال حقوق الإنسان؟.

أشير  هنا إلى رسالة كان وجهها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في 21 مارس 2021 لمناسبة اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، إذ قال ( إن جائحة العنصرية خطرة وبغيضة وقبيحة، وشر عالمي عميق الجذور، فهي تتجاوز الأجيال وتلوث المجتمعات، وتديم عدم المساواة، والقمع والتهميش، ، وإننا نرى العنصرية في التمييز المتفشي الذي يعاني منه السكان المنحدرون من أصل أفريقي ، وإننا نراها في الظلم والاضطهاد الذي تعاني منه الشعوب الأصلية ، والأقليات العرقية الأخرى، وأننا نراها في الآراء البغيضة لمناصري تفوق العرق الأبيض وسائر الجماعات المتطرفة).

هذا توصيف دقيق للعنصرية على لسان المسؤول الأول في المنظمة الدولية، ونحن محتاجون إلى تدارسه، كي لا نعاني من قصور في فهم العنصرية.

وكي تنجح الفترة الانتقالية وندخل مرحلة الانتخابات أعتقد أننا محتاجون لمكافحة العنصرية، وكان  مجلس حقوق الانسان شدد  في  دورته الحادية والعشرين في 28 يونيو 2012  على  ( التعارض بين الديمقراطية والعنصرية).

هذا معناه  أن العنصرية تهدد أي  توجه سوداني  نحو  بناء نظام ديمقراطي حقيقي…

برقية:

(يالعنصري المغرور كل البلد دارفور) .. رسالة ثورية بليغة المعاني وحيوية الدلالات، تعبر عن وعي شبابنا من الجنسين بقيم ( المواطنة)، وتحتاج إلى  تكاتفنا لنبني دولة  المؤسسات والقانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *