أميركاالسودانمقالات

حكومة حمدوك .. لماذا تتجاهلون الدوحة؟

محمد المكي أحمد:

وقعت الولايات المتحدة الأميركية وحركة (طالبان) في العاصمة القطرية الدوحة  ،اليوم ( ٢٩ فبراير ٢٠٢٠)اتفاقًا  يهدف لإحلال السلام في أفغانستان، التي شهدت حربا  أهلية دامية ومدمرة استمرت ١٨ عاما .

الإتفاق يشكل بكل المقاييس حدثًا تاريخيًا ،يعكس دلالات مهمة لدول المنطقة وللسودانيين أيضا.

قبل الإشارة الى بعض الدلالات أعود بالذاكرة  الى نحو سبع سنوات.

في العام ٢٠١٣  (أثناء فترة عملي في الدوحة قبل مغادرتها الى لندن  )غطيت لصحيفة (الحياة) اللندنية وإذاعة مونت كارلو الدولية  وقائع افتتاح مكتب حركة  (طالبان)  .

كان الحدث مدويا ، دانته حكومة أفغانستان  برئاسة حامد كارزاي وطلبت توضيحات من قطر.

أميركا دعمت افتتاح المكتب  لأنه نتاج تنسيق وتفاهم بين واشنطن والدوحة، خلال فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما  .

منذ لحظة افتتاح المكتب بحضور مساعد وزير الخارجية القطري آنذاك السيد علي بن فهد الهاجري  بدأت تفاعلات الحدث الساخنة، اذ تمسكت طالبان  بالأمس واليوم بتسمية (إمارة أفغانستان الإسلامية)  فيما  وصفت قطر المكتب بأنه مكتب حركة طالبان في الدوحة،وفي ظل الشد والجذب انزلت طالبان علمها من مبنى المكتب ولوحة تحمل اسم (أمارة أفغانستان الإسلامية) .

تلك الفترة شهدت شدا وجذبا  بين أميركا وطالبان وتوقفت المفاوضات بين الجانبين وجرى تجميد عمل المكتب .

 جرت بعد ذلك مياه كثيرة تحت جسر العلاقة  بين واشنطن والدوحة وطالبان ، وعندما جلس الرئيس  الأميركي دونالد ترامب على كرسي الرئاسة فكر في الغاء المفاوضات مع (طالبان) لكن وفقا لمصادر أميركية متطابقة انتصرت رؤية وزارة الخارجية الأميركية وأجهزة أخرى  بأن يستمر التفاوض  مع الحركة في الدوحة لأن ذلك يخدم مصلحة أميركية.

العامل المهم في هذا السياق أن الجانبين الأميركي و(الطالباني)  دعما وساطة الدوحة ودورها في هذا الشأن.

ثقة (طالبان) في الوسيط القطري شكلت  عاملا حاسما في أن تكون الدوحة الموقع  المفضل والموثوق بوساطته وحرصه على توفير مناخ مناسب يهدف لإحلال السلام في أفغانستان.

مشاركة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو  في جلسة  التوقيع  على الاتفاق التاريخي اليوم  في الدوحة تجيء في صدارة  الدلالات الكبرى للحدث  الذي صنعته واشنطن و(طالبان)  بوساطة وتسهيلات قطرية وفرت له مناخ النجاح  .

الاتفاق تضمن (ضمانات وآليات) لتنفيذه  ويمهد لانسحاب  قوات أميركية من أفغانستان ووقف دعم طالبان   للإرهاب    ضد أميركا ويمهد لمفاوضات أفغانية – أفغانية  لاحلال السلام في بلد مزقته الحرب وأنهكت شعبه.

كل هذا  يؤشر الى قوة  العلاقات الأميركية – القطرية وأبعادها الاستراتيجية،  رغم  أن الرئيس  ترامب ساهم بتصريحاته ومواقفه  في دعم (حصار) تفرضه  (بحكم  عامل الجغرافيا )منذ ألف يوم  ثلاث دول خليجية(السعودية،الأمارات،والبحرين)على حكومة قطر وشعبها.

لكن  ترمب أوقف تلك التصريحات منذ فترة وبات يشيد بقطر وقيادتها ويصف أميرها الشيخ تميم بن حمد بأنه (صديق) .

يبدو  أن هذا التحول في الموقف  جاء نتيجة  ضغط مؤسسات أميركية،وبينها وزارتا  الخارجية و الدفاع،  والمخابرات والكونغرس.

هذا معناه أن  المصالح الأميركية فرضت على ترامب أن يوقف انتقاداته لقطر ،وهي مصالح اقتصادية وأمنية وعسكرية ، كما أنه   وجد  في حيوية أدوار الدوحة  في مجال الوساطة مناخًا  ملائمًا  أدى الى الاتفاق التاريخي بين واشنطن وحركة (طالبان).

سودانيا  أرى أن تتأمل حكومة رئيس الوزراء السوداني  دكتور عبد الله حمدوك- وهي حكومة الثورة ، وحكومة جيل الوعي  والانفتاح الرشيد  – دلالات العلاقة الأميركية القطرية ، وأن تقرأ حدث توقيع الاتفاق (الأميركي الطالباني)  باعتباره دليلًا جديدًا على دور قطري فاعل في قضايا المنطقة ، ودعم جهود السلام.

أرى  أن الدوحة ودولا خليجية كالسعودية  والأمارات والكويت يمكن أن تدعم  دعما سياسيا واقتصاديا مهما مرحلة ما بعد مفاوضات جوبا الحالية الهادفة لإحلال سلام شامل في السودان،إذا نجحت حكومة حمدوك في تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية ،وهذا غير موجود حاليا،ما يشكل إضرارا بالمصلحة السودانية.

مصلحة السودان تكمن في علاقة قوية تقوم على الاحترام المتبادل  مع كل اخواننا في دول الخليج الست،وفي مقدمتها السعودية وقطر والإمارات والكويت وسلطنة عمان والبحرين.

من أهم الدروس التي تعلمتها خلال فترة عملي في الخليج لأكثر من ثلاثين عاما أن الخلافات بين دول الخليج مهما اشتدت وطأتها فهي الى زوال ، هذا ما تؤكده حقائق التاريخ والجغرافيا ومسارات أحداث   شهدتها المنطقة.

لا مصلحة للسودان في السقوط في وحل المحاور،هي ضارة بأهلها ،وضارة بمصلحة السودانيين .

افتحوا جسور التواصل مع الدوحة، وعززوا جسور العلاقات مع السعودية والأمارات،هنا يكمن التحدي أمام حكومة الفترة الانتقالية،وينبغي أن تكون (بالقول المقترن بالفعل)حكومة كل السودانيين المنتشرين في كل دول الخليج وبينهم سودانيو قطر الذين يتابعون مسارات العلاقة (الباردة)  بين الخرطوم والدوحة ،ويرسلون رسالة (عتاب )الى حمدوك وأعضاء حكومته ومجلس السيادة.

يبقى سؤال يحتاج إلى إجابة: لماذا تتجاهلون الدوحة،وتتجاهلون آلاف السودانيين هناك ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *