المغرب العربيمقالات

قيس و(ثورة  الياسمين).. ورسالة الثورة  اللبنانية الرائعة 

محمد  المكي أحمد:

مثلما شكلت  تونس المنصة الأولى لانطلاق ما وصف بـ(ثورات الربيع العربي) في العام ٢٠١١،واصلت  ثورة (الياسمين)  ريادتها وقيادتها  لمسيرة النجاح في مجال التحول الديمقراطي السلمي في هذه المرحلة ،حيث نجح  أبناء وبنات  تونس الخضراء في الحفاظ على  ثورتهم ، من خلال تداول المواقع الرئاسية والبرلمانية عبر انتخابات حرة ونزيهة.

اليوم (٢٣ أكتوبر ٢٠١٩) دخلت تونس مرحلة جديدة بعدما أدى اليمين الدستورية الرئيس الجديد أستاذ  القانون الدستوري قيس سعيد رئيسًا منتخبًا لتونس ، وذلك في جلسة برلمانية تاريخية.

خطاب الرئيس التونسي الذي وجهه للتونسيين في الداخل والخارج عكس  فكره النير وعقليته الواعية بقضايا شعبه  ورؤاه وخطاه الواثقة  بشأن كيفيات بناء الوطن .

قيس أطلق تعهدات وتأكيدات  بشأن الثوابت التي سيحتكم اليها في أداء مهمات الرئيس.

شدد على أن  (الدولة هي دولة التونسيين والتونسيات على قدم المساواة)   وانه (لا مجال للعمل خارج اطار القانون )وأن(الحرية التي  دفع شعبنا ثمنا غاليا من أجل الوصول اليها لن يقدر أحد على سلبه إياها تحت أية ذريعة أو مسمى).

خص بالتحية حواء التونسية التي لعبت دورا رياديا في الثورة التونسية  كنظيرتها السودانية، وأكد أن ( لا مساس بحقوق المرأة،وأن كرامة الوطن من كرامة مواطنيه ومواطناته على السواء).

الرئيس التونسي الجديد خاطب شعبه والعالم بلغة رصينة  وصوت  نابض بالحيوية، ووجه رسائل عدة، من أهمها تشديده على مكافحة الفساد،إذ قال( لا تسامح  في مليم واحد من عرق هذا الشعب العظيم )مشيرا الى ان (شهداء الثورة آثروا الموت  لوضع حد لشبكات الفساد).

كانت سمات  الثورة  التونسية في صدارة حديثه ، فرأى أن  ( ما حصل في تونس ثورة حقيقية ،وثورة ثقافية غير مسبوقة، هي وعي جديد يتفجر بعد سكون ظاهر وانتظار طويل). مشيرا الى ان (المثال التونسي  يدرس في العالم الآن).

وفيما شدد على ان ( شعبنا أمانة،ودولتنا أمانة، وأمننا أمانة)  لم  يتجاهل التحديات، فقال إنها ( كبيرة ،لكن إصرار شعبنا سيزيل العقبات)وكان لافتًا  تشديده على أن  (تونس ستبقى مناصرة لكل القضايا العادلة وفي صدارتها القضية الفلسطينية،وان الحق الفلسطيني لن يسقط بالتقادم).

أضاف (هذا ليس موقفا ضد اليهود ،لقد حميناهم   وسنحميهم، هو موقف ضد الاحتلال والعنصرية).

تونس من خلال انتخابها قيس قدمت دروسًا عدة،للعالم العربي،في صدارتها أن مسيرة وعي الشعوب وتمسكها  بقضايا الحرية والعدالة لم ولن تسقط راياتها حتى لو تعثرت ، وأن  الشعوب قادرة  على إنجاح حراكها الثوري   الهادف الى  بناء دولة المواطنة والحريّة والعيش الكريم

أحدث دليل حيوي  يكمن في ثورة الشعب اللبناني الحالية السلمية الباهرة، وهي تعني أن ليل الفساد والطغيان  الى زوال وأن صوت الشعب اللبناني هو الفيصل  ،وأن إرادة الشعوب ستبقى غلابة وستنتصر اليوم أو غدا.

سودانيا أعتقد بأننا محتاجون الى قراءة أسباب نجاح التجربة  التونسية،    والمثال الديمقراطي التونسي  في الحكم الرشيد ، كي نستفيد من إشراقاته وتحدياته  ،فالشعوب والدول تتعلم من  التجارب الناجحة والفاشلة أيضا .

واعتقد بأن فوز شخصية تونسية قادمة من  منظمة مجتمع مدني  بمنصب الرئيس،و من  خارج تشكيلة الأحزاب التي نافست على المنصب ، يؤ كد فاعلية وحيوية أدوار الجيل الجديد (الشباب من الجنسين )  في انجاح ترشيح قيس ، وهذا يحمل رسالة  تقول ان الجيل الجديد سيلعب دورا حاسما في أية انتخابات سودانية  بعد ثلاث سنوات  هي مدة الفترة الانتقالية الراهنة،كما  سيلعب الشباب الدور الريادي نفسه في كل المنطقة العربية .

التحية للشعب التونسي صانع الأمجاد، والتحية للشعب  اللبناني الذي رسم ويرسم حاليا مشاهد  لوحة وطنية رائعة تجاوزت الطائفية وتعقيداتها.

وللشعب اللبناني  مكانة متميزة أيضًا  في قلبي وعقلي ووجداني،زرت لبنان مرات عدة،وتربطني علاقات زمالة وصداقة مع عدد من  صحافيي وصحافيات لبنان وتعاملت مع  عدد من قياداته السياسية وسفراء، عملت مع زملائي في  صحيفة(الحياة) التي كان مقرها لندن،وتزاملنا ايضا في قناة (ال بي سي) (مقرها بيروت) واذاعة مونت كارلو الدولية (مقرها باريس)، عندما كنت مراسلا في الدوحة لتلك المؤسسات،  كانوا ومازالوا  جميعا أصدقاء وزملاء أعزاء، تعلمت منهم الكثير في رحلة  صاحبة الجلالة(الصحافة)، لأنهم خبراء  إعلام  ومهنيين ومهنيات بكل ما تعنيه الكلمة،لأن لبنان هو بلد الصحافة والحريات الأول في العالم العربي.

التحية للرئيس قيس، خطابك بليغ وحكيم وزاخر  بأجمل القيم والمعاني والمواقف  الوطنية .

في هذا السياق أقول  ان لتونس  في قلبي وعقلي ووجداني مكانة متميزة ، تربطني علاقة زمالة وصداقة قديمة متجددة مع  عدد من أبنائها وبناتها ورموزها السياسية الوطنية الديمقراطية.

زرت تونس  قبل سنوات عدة لتغطية انتخابات الرئاسة  عندما كان الرئيس السابق زين العابدين بن على  ممسكا بمفاصل الحكم ،وكان يجري انتخابات رئاسية صورية، ويتيح  لشخصيات ان تخوض الانتخابات لاضفاء نوع من المكيال المضلل على العملية  التي لا يمكن وصفها بانها ديمقراطية في ظل  كبت الحريات ونظامه الديكتاتوري.

رغم إلمامي بأجواء تلك المرحلة  طلبت لقاء مع الرئيس لأحاوره   بصفته  مرشحا  للرئاسة،  فكان الرد لماذا تتعب نفسك  وتعمل  كالصحافيين الغربيين الذين  يركزون على قضايا معينة، وكانت النصيحة أن اذهب لاستمتع برحلة الى منطقة سياحية.

قلتً اذا لم تتم الموافقة على حوار مع الرئيس وهو مرشح للرئاسة فسأحاور  شخصية  أخرى تعارض  نظام الحكم، لم يصدقوا كلامي لكنني فعلت، ونشرت حوارًا  ينتقد في شدة  الرئيس الذي أطاح  به الشعب ،  ومنذ ذلك التاريخ لم أتلق دعوة حكومية لزيارة تونس.

 لكنني قبل المغادرة حرصت على زيارة موقع بيت  الشاعر التونسي (أبو القاسم   الشابي) ،  في  مدينة توزر ،   لأنه مبدع كبير وهو ملهم للثوار  في كل مكان من خلال قصيدة  (إرادة الحياة)  التي تقول :

اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد  لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن  ينكسر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *