
لندن- محمد المكي أحمد
في مساهمة فكرية جديدة، تواكب روح العصر، وتناقش قضايا حيوية، أصدر المفكر السوداني والداعية الوسطي دكتور عبد المحمود أبو، كتابا جديدا بعنوان “المنهج الإسلامي وادارة التنوع” ويكتسب أهميته من تشديده على أن ” التنوع ظاهرة كونية” مشيرا إلى فوائده، وتأكيده أن “الشورى ” ملزمة” وأنها ” فريضة إسلامية ومبدأ دستوري أصيل”.
لكنه رأى أن “تعطيل الشورى واستبعادها من حياة المسلمين أدى إلى الجهل بها، بينما الممارسة الديمقراطية رسخت مبادئها ومفاهيمها وآلياتها، والشورى تحتاج إلى مجهود لإبرازها وتطبيقها في الحياة لتكون نموذجاً يحتذي” .
وقال في هذا الإطار إنه” بالمقارنة بين الشورى والديمقراطية تبين أن بينهما توافق في بعض الأمور، وبينهما اختلافات بينة تعود إلى اختلاف المصدر والسقوف والمآلات والغايات”.
ولفت إلى ما وصفه بـ” المشتركات الإنسانية في كافة مجالات الحياة” وقال إنه ” تبين أن ما يجمع بين بني البشر أكثر مما يفرقهم، وأن نسبة الاختلاف نسبة ضئيلة إذا فهمت يمكن أن يتحقق التعاون بين جميع المجتمعات الإنسانية، لتحقيق السلام والاستقرار في هذا الكوكب”.
وبشأن السودان توصل الباحث إلى “أن المنهج الذي اتبع لإدارة التنوع في السودان من خلال نظم الحكم تأرجح بين قبول الآخر ومحاولة إقصائه، مما أدى إلى زعزعة الاستقرار في السودان وبروز ظاهرة التعصب القبلي والصراع الاثني، وهي ظاهرة لا تعالج إلا بقبول التنوع واحترام خصائصه وكفالة حقوق جميع مكونات المجتمع واشتراكهم في إدارة شؤونهم”.
ودعا “المفكرين للتركيز على الدراسات المقارنة بين منهج الإسلام والمناهج الوضعية لإبراز حكمة الإسلام من التنوع وتفوقه في الإدارة”، ودعا ” طلبة العلوم الشرعية أن يهتموا بالدراسات المقارنة فإنها تثبت حقائق الإسلام وتبرز تفوقه على المناهج الوضعية:.
كما حضً “قادة العمل الإسلامي على أن يعملوا على ترسيخ ثقافة قبول الآخر والتسامح معه ليساهموا في تعزيز العيش المشترك والعمل على صيانته”.
المنهج الإسلامي أوسع من الشورى
وقال دكتور عبد المحمود لـموقع ” إطلالة” إن الكتاب صدر بحمد الله تعالى مع نهاية العام الهجري 1445 بعنوان: “المنهج الإسلامي وإدارة التنوع” بجمهورية مصر العربية، ضم الكتاب بين دفتيه (392) صفحة، وهو في الأصل بحث رسالة ماجستير أُجيز في جامعة أم درمان الإسلامية في كلية الدراسات العليا – قسم الفقه المقارن بعنوان: “التنوع في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ودور الشورى في إدارته – دراسة مقارنة ” تحت إشراف البروفيسور إبراهيم عبد الصادق”.
واضاف: رأيت تغيير عنوانه ليكون؛ إدارة التنوع في المنهج الإسلامي؛ لأن المنهج الإسلامي أوسع من الشورى، ولأن البحث تناول قضايا تدخل في الإطار العام للمنهج الإسلامي، وقدم له الدكتور محمد طاهر منصوري نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية للدراسات العليا والبحث العلمي بإسلام آباد جمهورية باكستان الإسلامية.
فصول الكتاب بدأت بالتنوع وحكمته
اشتمل الكتاب في الفصل الأول؛ أبعاد التنوع وحكمته، ودور الشورى في إدارته، وقد تضمن تعريف التنوع، والمجتمعات الإسلامية المعاصرة، والشورى، وما ورد عنها في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والممارسة التاريخية لها؛ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعهد الخلفاء الراشدين، وتضمن مفهومها، وحكمها الشرعي.
كما تناول أيضاً تعريف كل من الديمقراطية، والإدارة، كذلك تناول الحكمة من التنوع، وأهمية الشورى في إدارته، أما الفصل الثاني فقد تناول مخاطر التنوع وفوائده، ودور الشورى في إدارته؛ مستعرضاً المخاطر في عدة مجالات؛ منها ما يتعلق بصراع الوجود، ومنها ما يتعلق بخدش الكرامة، ومنها ما يتعلق بانتهاك الحقوق، ومنها ما يتعلق بالتعصب.
فوائد التنوع
و تناول فوائد التنوع من خلال منهج الشورى، وذكر من فوائده؛ الاستفادة من كل الطاقات في خدمة المجتمع، وترسيخ ثقافة التسامح التي تحقق الاستقرار في المجتمع من خلال التداخل بين الأفراد والجماعات. أما الفصل الثالث خُصص لكل من الديمقراطية والشورى ودورهما في إدارة التنوع؛ من خلال ثلاثة مباحث، تناولت مفهوم كل من الشورى والديمقراطية، ونقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف بينهما، كما أفرد مبحثاً لمنهج الشورى، ومبحثاً آخر لمنهج الديمقراطية في إدارة التنوع.
وخُصص الفصل الرابع للتنوع في السودان كحالة، مستعرضاً التنوع في المجتمع السوداني، ودور نظم الحكم المختلفة في إدارته، ونماذج لممارسة الشورى في المجتمع السوداني. أما الفصل الخامس والأخير الذي كان موضوعه؛ المشترك الإنساني ودور الشورى في إدارته؛ تناول هذا الفصل القواسم المشتركة بين بني آدم، وأنواع المشترك الإنساني، والمشترك بين أتباع الأديان السماوية، والمشترك بين المذاهب الإسلامية، والشورى ودورها في تحقيق الوحدة في ظل التنوع، وصحيفة المدينة نموذجاً لإدارة التنوع، وبعض المعاهدات التي أبرمتها الدولة الإسلامية، ومفهوم دار الحرب ودار الإسلام.
خلاصة البحث تؤكد أن التنوع ظاهرة كونية
وجاءت خاتمة الكتاب مخصصة للنتائج التي توصل إليها البحث، ومن أهمهما؛ أن التنوع ظاهرة كونية موجودة في كافة مجالات الحياة، وأن الشورى هي أساس الحكم الصالح، وهي السبيل إلى تَبْيِين الحق، ومعرفة الآراء السديدة؛ التي يسهم بها أفراد المجتمع، من خلال التَّشاوُر الحُر قبل اتخاذ القرارات، ومن أهم التوصيات؛ أنّ على قادة العمل الإسلامي؛ أن يعملوا على ترسيخ ثقافة قبول الآخر، والتسامح معه؛ ليساهموا في تعزيز العيش المشترك والعمل على صيانته.
وجاءت الخلاصة، بعد الحديث عن التنوع وتعريفه من ناحية المصطلح والمفهوم وتأصيله الشرعي وأقسامه وظواهره، وكذلك تعريف المجتمعات والمفاهيم ذات الصلة، كالأمة، والقوم، والجماعة، والحزب، والرهط، والطائفة، وتعريف الشورى وأبعادها، والديمقراطية ومدارسها، ومقارنتها بالشورى، والإدارة، والمجتمعات الإسلامية المعاصرة، وهي كالآتي:
النتائج:
1- التنوع ظاهرة كونية موجودة في كافة مجالات الحياة، ولكن الباحث قصر بحثه على التنوع في الحياة البشرية وتجلياته.
2- الدراسة بينت أن التنوع المقصود يعني تعدد الطرق والأساليب المختلفة التي يمارس بها الناس حياتهم العقائدية والفكرية والسياسية والثقافية، أي الممارسات الإنسانية في كل مناحي الحياة.
3- المجتمع المسلم هو الذي يتميز بنظمه الخاصة وقوانينه المستمدة من القرآن والسنة وتجمع بين أفراده رابطة الإسلام وتدار أموره في ضوء التشريعات الإسلامية مع مراعاة حقوق غير المسلمين في الدولة القائمة على تعدد الأديان.
4- الشورى فريضة إسلامية ومبدأ دستوري أصيل تأتي على رأس المبادئ العامة والأصول الثابتة التي قررتها النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والممارسة العلمية في العهد النبوي والخلافة الراشدة.
5- تبين من خلال البحث أن الشورى هي أساس الحكم الصالح، وهي السبيل إلى تبيين الحق ومعرفة الآراء السديدة التي يسهم بها أفراد المجتمع من خلال التشاور الحر قبل اتخاذ القرارات.
6- الشورى مصطلح إسلامي خالص وأصيل، وهي فعل إيجابي لا يقف عند حدود التطوع بالرأي بل يزيد على التطوع إلى درجة العمل على استخراج الرأي استخراجاً واستدعائه قصداً، لأن الشورى في الإسلام هي فلسفة نظام الحكم والاجتماع والأسرة.
7- استعرض الباحث آراء الفقهاء والعلماء حول إلزامية الشورى، وبعد موازنة بين الآراء يميل الباحث إلى القول بأن الشورى ملزمة وليست معلمة، لأن الحاكم وكيل عن الأمة وتقتضي الوكالة أن يعمل وفق إرادة الموكل ورغبته وتوجيهه.
8- بالمقارنة بين الشورى والديمقراطية تبين للباحث أن بينهما توافق في بعض الأمور وبينهما اختلافات بينة تعود إلى اختلاف المصدر والسقوف والمآلات والغايات.
9- يتضح من خلال البحث أن مفهوم الشورى من المفاهيم التي يمكن أن يمتد نطاقها ليغطي جميع الفضاءات الاجتماعية ويجعل منها مفهوماً أثرى من مفهوم الديمقراطية الغربية؛ بل ويكون أشد رسوخاً، لأن مفهوم الديمقراطية مفهوم للممارسة الإنسانية؛ بينما مفهوم الشورى مفهوم إداري وسياسي وتعبدي.
10- الشورى في إدارة التنوع أعمق من الديمقراطية، لأنها لا تقصي منهجاً ولا فكراً ولا ثقافة، وإنما تعترف بالجميع وتحافظ على حقوقهم الإنسانية، فهي تحترم مطالب الفطرة الإنسانية وتحافظ عليها.
11- تعطيل الشورى واستبعادها من حياة المسلمين أدى إلى الجهل بها، بينما الممارسة الديمقراطية رسخت مبادئها ومفاهيمها وآلياتها، والشورى تحتاج إلى مجهود لإبرازها وتطبيقها في الحياة لتكون نموذجاً يحتذي.
12- السودان نموذج للتنوع الديني والثقافي والاجتماعي، والبحث تناول نماذج من الممارسات الاجتماعية في إدارة التنوع، وثبت أن المجتمع متفوق على السلطة في إدارة التنوع وإشاعة التسامح وقبول الآخر.
13- توصل الباحث إلى أن المنهج الذي اتبع لإدارة التنوع في السودان من خلال نظم الحكم تأرجح بين قبول الآخر ومحاولة إقصائه مما أدى إلى زعزعة الاستقرار في السودان وبروز ظاهرة التعصب القبلي والصراع الاثني، وهي ظاهرة لا تعالج إلا بقبول التنوع واحترام خصائصه وكفالة حقوق جميع مكونات المجتمع واشتراكهم في إدارة شؤونهم.
14- تناول الفصل الأخير المشتركات الإنسانية في كافة مجالات الحياة وتبين أن ما يجمع بين بني البشر أكثر مما يفرقهم وأن نسبة الاختلاف نسبة ضئيلة إذا فهمت يمكن أن يتحقق التعاون بين جميع المجتمعات الإنسانية لتحقيق السلام والاستقرار في هذا الكوكب.
ثانيا: التوصيات :
1- دعوة العلماء والباحثين أن يسلطوا الضوء على فقه التنوع وإبراز الأحكام الشرعية المتعلقة به حتى تكون مكان اهتمام من أفراد المجتمع.
2- دعوة المفكرين للتركيز على الدراسات المقارنة بين منهج الإسلام والمناهج الوضعية لإبراز حكمة الإسلام من التنوع وتفوقه في الإدارة.
3- دعوة طلبة العلوم الشرعية أن يهتموا بالدراسات المقارنة فإنها تثبت حقائق الإسلام وتبرز تفوقه على المناهج الوضعية.
4- دعوة قادة العمل الإسلامي أن يعملوا على ترسيخ ثقافة قبول الآخر والتسامح معه ليساهموا في تعزيز العيش المشترك والعمل على صيانته.
إهداء إلى “من أرضعتني حولين كاملين”
وقال دكتور أبو: “أهدي البحث صدقة جارية لروح والدتي؛ التي حملتني في بطنها تسعة أشهر، وأرضعتني حولين كاملين، وعانت في تربيتي ما عانت؛ من شغب الطفولة، وجهالات التصرف؛ فصبرت وثابرت، وآثرت على نفسها؛ لتوفر لنا البيئة الهادئة الآمنة؛ لنمارس حياتنا دون كدر ولا من ولا أذى؛ أسأل الله أن يرحمها، ويكرم نزلها، وينزلها مع الصديقين والشهداء والصالحين؛ اللهم إنها مفتقرة إلى رحمتك، وأنت غَنِيٌّ عن عذابها، فارحمها وارحمنا إذا صرنا إلى ما صارت إليه”.
من هو المؤلف وما هي إسهاماته الفكرية ؟
الشيخ الدكتور عبد المحمود أبو تولى المسؤولية في مواقع مهمة، وهي: أمين الدعوة والإرشاد – هيئة شؤون الأنصار- 1993 – 1995، أمين عام هيئة شؤون الأنصار بالسودان 1995- حتى الآن (أكثر من دورة)، رئيس المنتدى العالمي للوسطية – فرع السودان من 2012 حتى الآن، رئيس مجلس إدارة مركز المقاصد للتأهيل، خطيب بالمساجد السودانية من 1983 – 2020 وهو عضو في مجمع الفقه الإسلامي بالسودان، وعضو المكتب التنفيذي لمجلس التعايش الديني، و عضو مجلس إدارة جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان،وعضو مجلس إدارة جامعة القرآن الكريم
وصدرت له مؤلفاته هي:
– منهج الشورى في إدارة التنوع.
-الحوار في الإسلام- حقائق ونتائج
– قراءات في مناهج الدعوة المعاصرة.
– الإسلام والدولة المدنية - جدل الدين والدولة
– الوسطية في فكر الإمام الصادق المهدي
-يسألونك عن الأنصارية.
التحية و الشكر و التقدير لمولانا الأمير الدكتور الشيخ عبدالمحمود ابو علي هذا المجهود الكبير و إصدار هذا الكتاب القيم جزاه الله عنا كل خير و زاده علماً و بركة.
آمين يا رب العالمين.