السودانبريطانيا و أوروبامقالات

دلالات مشاركتي في تظاهرة بلندن بشأن الاتحاد الأوروبي

محمد المكي أحمد:

في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات ، أي في ٢٣ مارس ٢٠١٩ ، شاركت في تظاهرة كبرى شهدتها لندن ،اذ دعا حشد كبير من المتظاهرين الى بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي.

كنت آنذاك اقيم بصفة لاجيء ،أي قبل ان احصل على حقوق المواطنة الكاملة .

مناخ بريطانيا الديمقراطي اتاح ويتيح لي وللمواطنين واللاجئين أوسع فرصة التعبير الحر عن الرأي.

معلوم أنه بعد جدل سياسي حاد انتصر خيار الشعب عبر استفتاء بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكان جرى في ٢٣ يونيو ٢٠١٦، حيث صوت ٥١.٩ في المائة لصالح الانسحاب.

أحترم الممارسة الديمقراطية ونتيجتها، لكنني ما زلت أرى أن بعض مشكلات بريطانية حاليا ، وخصوصا في مجال الاقتصاد ناجمة عن تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي .

ما كتبته عن التظاهرة تزامن مع عمليات قمع ارتكبها بشدة وقسوة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير،وهو نظام (الجبهة القومية الإسلامية) الديكتاتوري الذي حكم ثلاثين سنة بالقبضة الحديدية والقمع.

الشعب السوداني أسقط نظام القهر والاستبداد بثورة شعبية ادهشت العالم، وحكام دول في المنطقة لم يصدقوا أن النظام الذي تحالفوا معه وخدعهم بأكاذيبه وعمليات تضليله وقوته الباطشة قد أسقطه الشعب سلميا في ١١ أبريل ٢٠١٩.

حاليا، معلوم للعالم كله أن الحرب البشعة في السودان بقيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان ومجموعته العسكرية الانقلابية وبعض السياسيين والانتهازيين من جهة، وقائد (قوات الدعم السريع) الفريق محمد حمدان (حميدتي) ومن يدعمونه قد دمرت البلد، وقتلت اعداداً كبيرة من السودانيين بالرصاص و المرض و الجوع و الحزن العميق، وشردت الملايين داخل وخارج السودان.

في سياق شراسة كل المآسي والمواجع فان نبض معظم السودانيين ولا أقول كلهم دعا ويدعو لوقف الحرب والسلام وعودة الحكم المدني ولن يقبل أن يحكمه ديكتاتوريون،لأنه أدرك بالتجربة ممارساتهم الدموية ونتائج حكمهم الفاشل ،خصوصا بشأن احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .

الزمن ومجريات الاحداث ستؤكد هذه الحقيقة و القناعة طال الزمن أو قصر .. فهل يتعظ من يسفكون دماء السودانيين ،بدم بارد، في حرب قضت على الأخضر واليابس، من دروس الأمس القريب؟.

من أبرز دلالات المشهد ودروسه أن الديمقراطية الحقيقية والعدالة شرط لا غنى عنه لاستقرار السودان وتحقيق السلام واعادة البناء الشامل بمشاركة كل بنات وأبناء السودان،وهذا شرط أيضا لاستقرار دول الجوار والمنطقة .

هنا نص ما كتبته قبل خمس سنوات عن مظاهرة لندن، وجاء قبل أقل من شهر من تاريخ سقوط نظام (الجبهة القومية الإسلامية) التي نفذت بقيادة البشير انقلاب الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ :

عشرات الآلاف شاركوا في مسيرة شهدتها لندن اليوم (٢٣ مارس ٢٠١٩) وطالبت باستفتاء جديد على مسألة الخروج من الإتحاد الأوروبي(بريكسيت).

الأصوات واللافتات ارتفعت ودعت الى البقاء في الإتحاد .

لاحظت مشاركة كثيفة للنساء والرجال وكانت مشاركة الأطفال لافتة، إنهم- مارسوا ما يرون أنه يمثل حقهم المشروع في الدفاع عن أحلامهم ومستقبلهم .

معلوم ان حق التجمع والتظاهر مكفول ويحميه القانون ، وقد سخرت الحكومة البريطانية -وهي نتاج انتخابات حرة ونزيهة – امكاناتها وأجهزتها كافة لتسهيل تدفق المتظاهرين بفتح الشوارع مثلا.

في أثناء المسيرة كان السودان حاضرا في قلبي وذهني، وطافت مشاهد القمع التي يتعرض لها المتظاهرون منذ اكثر من ثلاثة أشهر ، كما تذكرت أن الرئيس عمر البشير وبعض أركان سلطته القمعية ومن يدعمها وصفوا المتظاهرين بالمندسين والخونة والمرتزقة و(الفئران والجرذان) لأنهم طالبوا بتنحي الرئيس عمر البشير ونظامه الإنقلابي الذي فشل في احترام إرادة الشعب وحقوقه وتحقيق العيش الكريم.

قناعتي الراسخة أن شعبنا المعلم المبدع سينتصر اليوم أو غدا لخياره الديمقراطي وللتعددية النابعة من واقعه التعددي، وسيهزم الديكتاتورية والديكتاتوريين، وسيبني دولة الحريات والعدالة والمساواة .

أجدد التحية لمن يقبضون على الجمر في السودان ويواصلون التظاهر أو ينفذون -وهم يرفعون أعلام الحرية – وقفات احتجاجية مشحونة بالمواقف الوطنية ونبض السعي المتواصل من أجل غد أفضل وحياة كريمة، يستحقها شعب السودان، وسيصنع فجرها، بعطاء شبابه ورجاله و خصوصا حواء السودانية، التي تبهر العالم هذه الأيام بجسارتها وحراكها الفاعل في صدارة المواكب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *