محمد المكي أحمد:
لا مفاجأة للسودان ومصر بإعلان إثيوبيا بدء مرحلة الملء الثاني لسد النهضة، عشية اجتماع مجلس الأمن إذ كان معلوما أن ترتيبات جرت لإطلاق هذه المرحلة .
أثيوبيا سعت إلى ابلاغ الخرطوم والقاهرة برسالتين عن بدء الملء الثاني، لتحقيق هدفين .
أولا: استباق مداولات مجلس الأمن (اليوم) الخميس ، لتضع الجميع أمام الأمر الواقع، و لتقليل الخسائر السياسية، والضغوط المتوقعة، والايحاء بأنها تتعاون مع السودان ومصر ولا تحجب ( معلومات) .
ثانيا: القيادة الإثيوبية باتت قلقة من تفاعلات ( غضب) الرأي العام السوداني والمصري، بسبب ما يراه كثيرون (تهربا) من استحقاقات اتفاق قانوني ملزم للدول الثلاث.
الرأي العام ( المتململ) ضم معجبين بآبي أحمد، لأنه نجح في وقت سابق في إظهار قيادة إصلاحية ، و بالوساطة (هو والاتحاد الإفريقي) بين قيادات عسكرية و(قوى الحرية والتغيير) ما أدى لتوقيع ( وثيقة دستورية) وكنت بين المعجبين بآبي أحمد، و كتبت مقالا نوه بأدواره ودلالات فوزه بجائزة نوبل للسلام.
من يقرأ تطورات ملف الأزمة بشيء من الموضوعية يجد أن الخرطوم والقاهرة رحبتا بإنشاء السد منذ العام 2011، مع التشديد على أهمية التوافق على اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل.
هذا الموقف إيجابي وعقلاني ويمد حبال الصبر، والمأمول أن يستمر، لأنه سيصون حقوق الدول الثلاث، وقد يفتح أوسع دروب التعاون في المنطقة مستقبلا، اذا تركت إثيوبيا نهج ( المراوغة) الحالي .
قناعتي أن السودان يرتبط بعلاقة تاريخية ومصالح متبادلة مع مصر وشعبها، كما أن للسودانيين أواصر تاريخية ومنافع مشتركة مع إثيوبيا وشعبها، ما يعني أن إثارة الغبار( من أي طرف) ستصب في مجرى التأزيم للأجواء ، ما يضرب روح التواصل والتعاون المنشود ومصالح الشعوب.
المؤكد أن السودان ومصر ليس في مقدورهما (بلع) مرارات سياسة فرض الأمر الواقع ، لأنها تثير المخاوف، وتهدد حياة ومستقبل ملايين السودانيين والمصريين.
إثيوبيا تخسر حاليا في ساحات إقليمية ودولية بعدما كانت جاذبة (إيجابيا) للأنظار، إذ دفعت بموقفها وزراء الخارجية العرب في اجتماع الدوحة 15 يونيو 2021 إلى رفض نهجها(الأحادي).
هذه التفاعلات تفرز ضغطا سياسيا إضافيا وربما اقتصاديا على إثيوبيا، وهي تعاني من ضغوط أميركية وأوروبية وحقوقية ،بسبب الحرب في التيغراي.
إذا أصدر مجلس الأمن بيانا وفقا لمشروع القرار التونسي، وهو متوازن، وبدعم أميركي وأوروبي ،فانه يدعو لوقف ملء السد ( وأستبعد ذلك) لكن الأهم استئناف المفاوضات والكف مستقبلا عن الخطوات الأحادية، ووضع الأزمة على طاولة الأمم المتحدة.
لكن ما موقف موسكو وبكين؟.
روسيا والصين درجتا على عرقلة بيانات عدة بشأن قضايا إقليمية ودولية، والمأمول أن لا تنخرطا في تنافس محموم مع واشنطن يضر بالسودان ومصر، وأثيوبيا أيضا.
يبقى الموقف الأميركي الأهم لدفع جهود التهدئة و ( التسوية) مستقبلا، بعدما اختار الرئيس جو بايدن موفدا للشؤون الإفريقية، وفي حال فشل ذلك سيفقد الجميع البوصلة.
برقية:
لا خيار أفضل من ( التوافق) بين السودان ومصر وإثيوبيا، ولا أحد في مقدوره تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا..