
محمد المكي أحمد:
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، توصل إسرائيل وحماس لاتفاق بشأن المرحلة الاولى من “خطة السلام ” ارتياحاً واسعاً في أوساط الفلسطينيين في غزة .
ترمب اختار منصته (تروث سوشيال ) Truth Social للإعلان عن التوصل للاتفاق ، وقال في تغريدة :” أنا فخور جدا بالإعلان عن قيام إسرائيل وحركة حماس بالتوقيع على المرحلة الأولى من خطة السلام التي طرحناها. ويعني ذلك أنه سيتم الإفراج عن كافة الرهائن في القريب العاجل، وأن إسرائيل ستسحب قواتها حتى الخط المتفق عليه”.
ورأى ” أن “هذه هي الخطوات الأولى باتجاه التوصل إلى سلام قوي ومتين ودائم. سيتم التعامل مع الأطراف كافة بإنصاف، هذا يوم رائع بالنسبة إلى العالم العربي والإسلامي ، وإسرائيل، وكافة الدول المحيطة، والولايات المتحدة الأمريكية”.
وأضاف ” نتوجه بجزيل الشكر للوسطاء من قطر ومصر وتركيا، إذ عملوا معنا ليتحقق هذا الحدث التاريخي وغير المسبوق. مباركون، هم صانعو السلام”.
الاتفاق الذي يقف ترمب وراء تحقيقه هو إنجاز تاريخي وخطوة حيوية لأنها ستوقف إطلاق النار في غزة وتطلق الرهائن الإسرائيليين، الأحياء والأموات، كخطوة على طريق وقف الحرب بشكل دائم، إذ يسعى ترمب إلى تحقيق ما يسميه ” السلام في الشرق الأوسط” .
قطر التي لعبت ادوارا تاريخية وإيجابية، وتحملت الكثير من الأذى، قالت على لسان مستشار رئيس مجلس الوزراء المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الدكتور ماجد الأنصاري “تم الليلة ( ليلة الأربعاء الخميس) الاتفاق على كل بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة “.
وأضاف عبر منصة “إكس”: “يعلن الوسطاء أنه تم الليلة ( ليلة الأربعاء الخميس) الاتفاق على كل بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وبما يؤدي لوقف الحرب والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين ، ودخول المساعدات” وأضاف :”سيتم الإعلان عن التفاصيل لاحقا.”
يُحسب للرئيس الأميركي ترمب أنه وقف ويقف بقوة وإصرار وإرادة، وراء هذا النجاح الباهر ، بعدما طرح خطة سلام من 20 نقطة ، وضَغط على اسرائيل وحماس لقبول خطته، وتابع الأمر مع قادة الدول المنخرطة في الوساطة.
قطر ومصر وتركيا لعبت أدوارا تاريخية وحيوية أدت لتوصل حماس واسرائيل لاتفاق المرحلة الأولى الذي جرى في مصر، بمشاركة وفد مصري ووفدين من قطر وتركيا.
لكن لم يكن بالامكان أن تتوصل حماس واسرائيل إلى اتفاق لوقف النار وإطلاق الرهائن من دون الدور المؤثر والفاعل الذي لعبه الرئيس ترمب.
هذا الاتفاق يُسجل له كانجاز تاريخي باهر، سيُوقف – إذا تم تنفيذه تنفيذا كاملا – سفك دماء الفلسطينيين، ويفتح أبواب إغاثة الجوعى ويضع حدا لسياسة التجويع التي حاصرت الفلسطينيين، ويطلق الرهائن، والأهم أن يُمهد لخطوات سلام عادل في المنطقة .
نجاح ترمب في الضغط على اسرائيل وحماس للتوصل لهذا الاتفاق ستُمهد الطريق لأدوار أميركية فاعلة لإطفاء حرائق مشتعلة في مواقع أخرى في العالم ، وبينها السودان، وفقا لمؤشرات عدة .
ولعل أبرز ردود الفعل الفورية، التي ظهرت سريعا، اليوم الخميس، فور تدفق أخبار التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، قد تجلى في خروج فلسطينيين إلى الشوارع ابتهاجا بهذا الحدث، ما يؤشر إلى طبيعة الأحزان والمآسي التي حاصرتهم ،وأوجعتهم خلال عامين .
في هذا الإطار سارعت عائلات الرهائن الإسرائيليين إلى التعبير السريع عن أفراحها، وهي تنتظر وصول الرهائن الأحياء، وجثامين الأموات، كما يتوق الفلسطينيون إلى عودة أسرى من السجون الإسرائيلية.
ترمب وتميم والسيسي وأردوغان ودول عربية وإسلامية كان قادتها التقوا ترمب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يستحقون أيضا الإشادة والتقدير، وفي هذا الإطار لعبت السعودية دورا مهما، إذ قادت مع فرنسا مبادرة حشد الدعم الدولي لـ “حل الدولتين” أي دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل، وقد وجدت هذه المبادرة دعما دوليا كبيرا، رغم أن واشنطن ما زالت ترفض “حل الدولتين”.
المأمول أن يغير ترمب موقفه في هذا الشأن، احتراما لحقائق التاريخ، وحقوق الشعب الفلسطيني .
أشير في هذا الأطار إلى أن اعتراف بريطانيا وفرنسا ، وعدد من دول العالم بـ ” الدولة الفلسطينية” جاء ليُشكل تطوراً ايجابياً تاريخياً ، وخطوة مهمة، تؤكد أنه لا يمكن التوصل إلى حل شامل ودائم للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، من دون اقامة الدولة الفلسطينية، أي احترام حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
ومثلما أسفرت ضغوط ترمب الحاسمة، بالضغط على إسرائيل وحماس، عن الموافقة على وقف النار وإطلاق الرهائن، فان أمامه مشاوير أخرى في صداراتها أن يضغط لانجاح المرحلة الأولى والمراحل التالية للاتفاق بين إسرائيل وحماس، لأن المتطرفين في حكومة بنيامين نتانياهو يضغطون عليه، ويرفضون أي اتفاق مع حماس، بل يريدون ضم الضفة الغربية، وقد أعلن ترمب انه لن يسمح بذلك، ويُحسب للرئيس الاميركي هذا الموقف الإيجابي، الحاسم..
ويبقى التحدي الأكبر أمام الرئيس ترمب إذا أراد أن يكتب إسمه في سجل تاريخي ناصع، أن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في الحياة الحرة ، الكريمة، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا باقامة الدولة الفلسطينية.
ويمكن الإشارة في هذا السياق أن النقطة العشرين الأخيرة في خطة ترمب للسلام تضمنت نصا مهما، قد يسفر عن دعمه حل الدولتين في وقت لاحق، إذا شدد على أن الولايات المتحدة ستقيم حوارا بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي.
الدولة الفلسطينية هي صمام الأمان ، الذي يحول دون سفك دماء الإسرائيليين والفلسطينيين.
“الشرق الأوسط الجديد” لن يتشكل بحرمان الفلسطينيين من حقوق إنسانية مشروعة.