
محمد المكي أحمد:
تصريح رئيس الحكومة السودانية دكتور عبد الله حمدوك الى قناة (الجزيرة) ثم بيان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (٤ ديسمبر ٢٠١٩) بشأن تبادل سفيرين لدى الخرطوم وواشنطن ،أي رفع مستوى التمثيل الديبلوماسي ، يشكل تطورًا نوعيًا وحيويًا، يؤشر الى أهمية المحادثات التي يجريها رئيس الحكومة الانتقالية السودانية في أميركا حاليا.
معلوم ان علاقة واشنطن مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير شهدت شدًا وجذبا، على مدى سنوات عدة،ولم يكن في مقدور الرئيس المخلوع أن يلتقي أي مسؤول أميركي أوأوروبي أو يسافر الى دول الغرب،لأنه ملاحق من المحكمة الجنائية الدولية ،بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. .
ورغم ان واشنطن كانت تتعامل مع النظام البائد الذي اتهمته بدعم الإرهاب (وهذا تؤكده شواهد عدة) الا ان ثورة الشعب السوداني التي اندلعت في ديسمبر ٢٠١٨ قلبت كل المعادلات اقليميا ودوليا.
ولعل أبرز دليل ان واشنطن سارعت الى دعم الثورة الشعبية – التي فاجأتها وفاجأت آخرين – بالبيانات والمواقف.
على سبيل المثال،يشار الى ان (سي ان ان CNN) أعلنت في ١٢ أبريل ٢٠١٩ أن مورغان أورتاغوس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ( عبرت عن ثناء بلادها للسودانيين ومواصلتهم التظاهر بصورة سلمية منذ ديسمبر/ 2018).
وذكرت ان أورتاغوس قالت (ان الولايات المتحدة تراقب عن كثب الوضع في الخرطوم،وأن المظاهرات الأخيرة أظهرت بوضوح إرادة الشعب السوداني القاضية بإنهاء حكم عمر البشير، نحن نثني على الشعب السوداني لمواصلته التظاهر سلميا منذ شهر ديسمبر 2018. إن الفرصة سانحة الآن أمام السودان للانطلاق في مسار جديد، وهو مسار ينبغي أن يشتمل على انتخابات ديمقراطية وشرعية واحترام حقوق الإنسان وحكومة بقيادة مدنية).
في هذا السياق أعيد للأذهان سلسلة مواقف إيجابية اعلنتها واشنطن خلال فترة الثورة الشعبية،اذ تعددت البيانات التي أصدرتها الترويكا (أميركا وبريطانيا والنرويج) ،كما أصدرت السفارة الأميركية في الخرطوم بيانات عدة داعمة لحق الشعب السوداني في التظاهر السلمي ومنددة باستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين .
ولعل من اهم البيانات في هذا الإطار ما أصدرته الخارجية الأميركية في ٢٤ يناير ٢٠١٩ (قبل سقوط البشير في ١١ ابريل ٢٠١٩) اذ (عبّرت وزارة الخارجية الأمريكية، عن قلقها من الأوضاع التي يشهدها السودان وحملات الاعتقالات والتوقيف التعسفي ضد المتظاهرين السودانيين المطالبين بالإصلاح السياسي) .
وقالت الخارجية الاميركية ان ( الولايات المتحدة تشعر بالقلق من تزايد عدد الاعتقالات وعمليات التوقيف، فضلاً عن التصاعد الكبير في أعداد القتلى والجرحى، بعد مرور أربعة أسابيع على بداية الاحتجاجات في جميع أنحاء السودان). وشددت على ان (الولايات المتحدة تدعم حقّ الشعب السوداني في التجمع السلمي للتعبير عن مطالبه بالإصلاح السياسي والاقتصادي وبسودان أكثر سلما وأكثر انفتاحا على الجميع، إننا ندين استخدام العنف، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية والاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن السودانية).
مواقف واشنطن خلال ثورة شعبنا السلمية مهمة وايجابية ، لكن المؤكد أن شعبنا لفت أنظار واشنطن و العالم من خلال ثورة بناته وأبنائه السلمية واصرار الشعب على إطاحة الديكتاتورية وصناعة الفجر الجميل .
شعبنا المعلم انتزع احترام واشنطن، كما انتزع احترام دول الإقليم و أوروبا وشعوبها.
أي لم يكن أمام الجميع سوى احترام إرادة الشعب السوداني الباهرة،المدهشة، ،والآن يجيء في هذا الإطار اعلان واشنطن والخرطوم بشأن تبادل سفيرين بعد ٢٣ عاما .
أدعو المؤسسات الأميركية كافة الى مواصلة دعم شعبنا عبر حكومته الانتقالية ،حكومة الثورة الشعبية، التي تشكلت وأنجزت بدماء وتضحيات الشهداء والجرحى والمفقودين وضحايا التعذيب واللاجئين.
أي موقف أميركي إيجابي ستظهر أصداؤه الإيجابية في تفعيل تعامل دول الإقليم والعالم مع الخرطوم ،لأن واشنطن تمسك بخيوط العلاقات الإقليمية والدولية،وتؤثر ايجابا أو سلبا على مدى انفتاح أو تردد دول الإقليم والعالم والمؤسسات الاقتصادية الدولية في تعاملها مع السودانً الجديد.
قرار تبادل سفيرين بين واشنطن والخرطوم فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين ،وسيساهم في بلورة مواقف (أصدقاء السودان) الذين اجتمعوا قبل فترة في أميركا، وينتظر ان يجتمعوا في الخرطوم قريبا، لدعم الاقتصاد السوداني ووضع لبنات لشراكات مع السودان الغني بموارده وإنسانه
رئيس الحكومة الانتقالية وضع من خلال إرادة شعبه علامة بارزة في سجل العلاقات السودانية الأميركية ،وأثق أن إرادة شعبنا المتمسك بحريته وإرادته الحرة ستفتح آفاق علاقات أفضل مع دول الخليج والعالم ،استنادا الى سياسة خارجية متوازنة،لا مكان فيها للتبعية أوالسقوط في وحل المحاور.
في هذا السياق فان قرار واشنطن والخرطوم بشأن عودة السفيرين يحمل رسالة الى دول الإقليم وأوروبا والعالم،وتحتاج هذه الدول الى أن تقرأها بعناية،وتتمعن في ما بين سطورها .
هي أيضا رسالة الى الشعب السوداني ، صاحب الفضل الأول في فتح المناخ الجديد لعلاقاته المنفتحة والمتوازنة مع دول العالم.
إرادتك الحرة المستقلة التي تحترم حقوق الإنسان،وتشيع مناخ الحريات والعدالة وتحقق السلام والاستقرار هي التي ستبني جبهة داخلية قوية تنطلق بثبات نحو التغيير الشامل،وتفتح في الوقت نفسه دروب التواصل مع دول الإقليم والعالم التي ستحترم طوعًا أو كرهًا من يحترم خيارات شعبه ،ويستمد منه القوة والمنعة .