أخبار وتقاريرفلسطين

أنوار حواس تروي قصة البحث عن شقيقها المصاب بالتوحد  

11 ألف مفقود في غزة غالبيتهم من النساء والأطفال وصعوبات متزايدة في التعرف على الجثامين

لندن- محمد المكي أحمد:

تتعدد صور معاناة الإنسان الفلسطيني، في غزة ، بسبب الحرب الإسرائيلية البشعة، التي تركز على إبادة الإنسان والشجر والحجر.

وتشكل قضية المفقودين عنوانا مؤلما بين عناوين عدة، ترسم مشاهد المعاناة الشديدة، وصورا من صور المتاعب و الضغوط  والتحديات التي تبدو  مواجعها الأكثر إيلاما  في رحلة البحث عن مفقودين،  يعانون من مشكلات صحية، كما تظهر قسوتها في صعوبة التعرف على جثامين.

الأمم المتحدة ركزت  في تقرير، نشرته اليوم، 30 يونيو 2025،  على  قصة الشابة العشرينية  الفلسطينية أنوار حواس، التي “تجوب شوارع غزة  يوميا بحثا عن شقيقها المصاب بالتوحد الذي اختفى منذ أسابيع”.

أفاد مراسل ” أخبار الأمم المتحدة ” في غزة بأن آلاف العائلات تعيش في دوامة من القلق واليأس بحثا عن أحبّائها المفقودين وسط أنقاض غزة المدمّرة.

وأكد  أن قصة أنوار  ليست فريدة، بل واحدة من بين أكثر من 11 ألف حالة فقدان تم تسجيلها منذ بداية الحرب، في ظل غياب آليات رسمية لتحديد مصير الضحايا أو المفقودين.

مفقود مصاب بالتوحد ولا يتكلم

وأضاف التقرير : أن  أنوار حواس (22 عاما) تخرج كل صباح، تحمل بين يديها أوراقا مطبوعة عليها صورة شقيقها المفقود هادي (17 عاما)، وتسير بها عبر شوارع غزة المدمّرة بحثا عن أي بصيص أمل. تمضي أنوار في أزقة المدينة وتسأل الناس عمّا إذا كانوا قد رأوا هادي، وهو طفل مصاب بالتوحد ولا يتكلم فُقد قبل ثلاثة أسابيع بحي الزيتون بعد خروجه من المنزل ولم يعد.

مراسل ” أخبار الأمم المتحدة” في قطاع غزة رافق أنوار  في إحدى رحلاتها اليومية للبحث عن شقيقها هادي،  وشرحت معاناتها بقولها  “أبحث عن أخي هادي حواس المفقود، كل يوم أخرج من الصباح وأعود في ساعات المساء، لعلّي أجده، قمت بطباعة صورته وأقوم بإلصاقها على الجدران وأسأل الناس وأبحث في الشوارع، أدعو الله أن يساعدني في العثور عليه”.

اللجوء إلى الوسائل التقليدية

تتوقف أنوار أمام جدران المحال التجارية، تلصق صورة تلو أخرى، تسأل الباعة في الشوارع، وتتوجه إلى أحد المستشفيات الميدانية التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بحثا عن أي معلومة أو أثر يدلّها عليه، سألت إحدى موظفات الاستقبال في المستشفى عن أخيها، وقدمت لها ورقة تحمل صورته واسمه وأرقام هواتف العائلة، تمعنت الموظفة في الورقة، ثم أجابت أنوار بأنها لم ترَ هذا الطفل من قبل، ووعدتها بأنها ستُبلغهم في حال رؤيته أو حصولها على أي معلومات عنه،  يتكررهذا المشهد في كل حي وزاوية، ولكن بلا جدوى.

تُضيف أنوار: “بسبب غياب الأجهزة الحكومية، وغياب الأمن والأمان، وعدم وجود جهات رسمية يمكنها مساعدتنا في العثور عليه، اضطررنا للجوء إلى الوسائل القديمة، من خلال توزيع الورق، خاصة في ظل انقطاع الإنترنت والاتصالات. الوضع صعب للغاية”.

مبادرة الكترونية للبحث عن مفقودين

وجاء في تقرير ” أخبار الامم المتحدة” أن أنوار ليست وحدها. في مهمةٍ أخرى، أسّس الشاب غازي المجدلاوي مبادرة إلكترونية تُعرف بـ”المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا”، يحاول من خلالها المساعدة في مهمة البحث عن المفقودين.

يتواصل غازي يوميا عبر الهاتف مع عائلات تبحث عن أبنائها، ويعكف على إدخال البيانات في منصة رقمية أنشأها بالتعاون مع متطوعين، حيث يتم تسجيل المفقودين، والتحقق من المعلومات، ومحاولة الوصول إلى نتائج.

مجهولو الهوية

يقول المجدلاوي:  “مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستمرار العمليات العسكرية البرية، قمنا بإطلاق منصة إلكترونية. يمنع الاحتلال دخول المواد المتعلقة بفحص الحمض النووي الـDNA، مما يصعّب التعرّف على الجثامين المنتشلة. هناك مئات، بل ربما آلاف، من القتلى مجهولي الهوية”.

وفي ظل هذا الواقع، يعمل نشطاء حقوق الإنسان على تسليط الضوء على حجم هذه المأساة. يقول مصطفى إبراهيم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان: “تابعنا حوالي 1,000 حالة فقدان أو اختفاء قسري. تمكّنا من الكشف عن مصير 600 منها عبر متابعتنا مع السلطات الإسرائيلية، بينما لا يزال مصير نحو 420 شخصا مجهولا. هناك من اختفوا قسرا، ولا تتوفر عنهم أي معلومات”.

11 ألف مفقود منذ بداية الحرب

ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد المفقودين في القطاع تجاوز 11 ألف شخص منذ بداية الحرب، غالبيتهم من النساء والأطفال.

ولا تزال طبيعة مصير هؤلاء المفقودين غير واضحة، في ظل غياب إحصاءات رسمية دقيقة تُحدّد ما إذا كانوا قد قُتلوا في الغارات الجوية وبقيت جثامينهم تحت الأنقاض، أو تم احتجازهم، أو اختفوا في ظروف غامضة.

وتقول منظمات حقوقية محلية إن بعض المفقودين يُعتقد أنهم ما زالوا محتجزين داخل السجون الإسرائيلية، فيما تُرجّح تقارير أخرى أن يكون عدد منهم قد اختفى قسرا دون توفر أي معلومات عن أماكن وجودهم حتى الآن.

وتُشير تقارير محلية إلى أن عشرات الفلسطينيين فُقدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات، ويُرجّح أن يكون بعضهم قد قُتل ودُفن خلال العمليات العسكرية دون أن تُسجّل أسماؤهم في قوائم الضحايا.

وخلص تقرير “أخبار الأمم المتحدة” إلى أن سكان القطاع  يواجهون صعوبات متزايدة في التعرّف على الجثامين أو توثيق حالات الوفاة، في ظل استمرار نقص الإمكانيات اللازمة لعمليات البحث والانتشال، ما يزيد من تعقيد جهود تحديد مصير آلاف الأشخاص المفقودين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *